jerjesyousif
10-04-2021, 10:40 PM
الفاتيكان يستضيف لقاء القادة الدينيين في إطار الاستعداد لمؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي
إعلام البطريركية - أبونا - وفاتيكان نيوز -4-10-2021
https://saint-adday.com/wp-content/uploads/2021/10/17-8-660x330.jpg
استضاف الفاتيكان، اليوم الاثنين الموافق 4 تشرين الأول 2021، لقاء جمع العلماء والقادة الدينيين والخبراء، تحت عنوان: “الإيمان والعلم: نحو COP26“، حيث وقّع المشاركون على نداء مشترك قبيل انعقاد المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن التغيّر المناخي (COP26)، والذي سيُعقد في مدينة غلاسكو، من 1 وحتى 12 تشرين الثاني المقبل.
واللقاء هو مبادرة فاتيكانيّة ولدت من اقتراح سفارة المملكة المتحدة والسفارة الإيطاليّة لدى الكرسي الرسولي. وقد تطورت من خلال اجتماعات افتراضية شهريّة بدأت في وقت سابق من العام الحالي، حيث تمكن القادة الدينيون والعلماء من مشاركة مخاوفهم ورغباتهم في تحمل مسؤولية أكبر تجاه الكوكب والدعوة لتقديم إجابة فعّالة للأزمة البيئية غير المسبوقة، كما ولأزمة القيم التي تعيشها البشريّة تجاه أمنا الأرض.
https://cms.abouna.org/sites/default/files/2021-10/cq5dam.thumbnail.cropped.1000.563.jpeg
ثلاثة مفاهيم للتعاون
وخلال اللقاء ألقى البابا فرنسيس كلمة قدّم فيها ثلاثة مفاهيم للتفكير في التعاون بين الإيمان والعلم.
وفيما يلي النص الكامل لكلمة الحبر الأعظم:
الرؤساء وممثلي الأديان، أصحاب السّعادة، الأصدقاء الأعزّاء! أشكركم جميعًا لوجودكم هنا مجتمعين، تبدون رغبتكم في إجراء حوار معمق بيننا ومع الخبراء في العلوم. اسمحوا لي أن أقدّم ثلاثة مفاهيم للتفكير في هذا التعاون: نظرة الترابط بعضنا مع بعض والمشاركة، والمحرك الذي هو الحبّ، والدعوة إلى الاحترام.
1. كلّ شيء مرتبط، كلّ شيء في العالم مرتبط بشكل وثيق. ليس العِلم فقط، بل أيضًا إيماننا وتقاليدنا الرّوحية تبيّن هذا الارتباط الموجود بيننا جميعًا ومع بقية الخليقة. نحن ندرك علامات التناغم الإلهيّة الموجودة في العالم الطبيعي: فلا يوجد مخلوق مكتفٍ بذاته، كلّ واحد موجود مرتبطًا بغيره، ليكمّل كلّ منهما الآخر، وليكون الواحد في خدمة الآخر.
يمكننا أن نقول تقريبًا إن الخالق أعطى الواحد للآخر، حتى ينموا ويتحققوا بصورة كاملة في علاقة حبّ واحترام. النباتات والمياه والكائنات الحيّة يرشدها قانون طبعه الله فيها لخير كلّ الخليقة.
أن نعترف بأنّ العالم مترابط لا يعني فقط فهم العواقب الضارة لأفعالنا، بل أيضًا تحديد التصرفات والحلول التي يجب تبنيها بنظرة منفتحة للترابط بعضنا مع بعض والمشاركة. لا يمكن لأحد أن يعمل بمفرده، فالتزام كلّ واحد من أجل العناية بالآخرين والبيئة هو أمرٌ أساسيّ، وهو التزام يؤدي إلى تغيير في المسار، وهو أمر مُلِحّ، ويجب أن يتغذى أيضًا من إيماننا الشخصيّ وروحانيتنا. بالنسبة للمسيحيين، تنبع نظرة الترابط بعضنا مع بعض من سرّ الله الثالوث نفسه: “الكائن البشري ينمو وينضج ويتقدّس بقدر دخوله في علاقة، حين يخرج من ذاته ليعيش في شركة مع الله، ومع الآخرين ومع جميع الخلائق. هكذا يتخذ، في وجوده الخاص، هذه الدينامية الثالوثية التي طبعها الله فيه منذ أن خلقه”.
إنّ اجتماع اليوم، الذي يوحّد العديد من الثقافات والرّوحانيات بروح الأخوّة، يعزّز الوعي بأنّنا أعضاء في عائلة بشريّة واحدة: لكلّ منا إيمانه وتقاليده الرّوحية، ولكن لا توجد حدود وحواجز ثقافية أو سياسية أو اجتماعية تسمح بأن ننعزل بعضنا عن بعض. لإلقاء الضوء على هذه النظرة، نريد أن نلزم أنفسنا بمستقبل يتكوّن من ترابطنا بعضنا مع بعض ومشاركتنا في المسؤولية.
2. يجب أن يتم السعي وراء هذا الالتزام باستمرار بواسطة المحرك الذي هو الحبّ: “إنّ الحبّ يُنشئ روابط في أعماق كلّ قلب، ويجعل الحياة أرحب، عندما يُخرِج الشخصَ من ذاته نحو الآخر”. ومع ذلك، فإنّ القوّة الدافعة للحبّ لا يتم “تحريكها” مرة واحدة وإلى الأبد، بل يجب إحياؤها يومًا بعد يوم، وهذه هي إحدى المساهمات الكبيرة التي يمكن أن يقدمها إيماننا وتقاليدنا الرّوحية في تسهيل تغيير المسار هذا الذي نحن بحاجة إليه كثيرًا.
الحبّ هو مرآة الحياة الرّوحية التي نعيشها بكثافة في أعماقنا. حبّ يمتد إلى الجميع، إلى ما وراء الحدود الثقافيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحبّ يدمج، أيضًا وقبل كلّ شيء، الأخيرين، الذين غالبًا ما يُعلموننا أن نتغلّب على حواجز الأنانية وأن نحطّم جدران الأنا.
هذا تحدٍّ ينشأ أمام ضرورة مواجهة ثقافة الإقصاء، التي تبدو أنّها تسود في مجتمعنا والتي تترسّخ على ما يسميه نداؤنا المشترك على ”بذور الصّراعات: الجشع، واللامبالاة، والجهل، والخوف، والظلم، وانعدام الأمن، والعنف“. هي بذور الصّراع نفسها التي تسبب الجراح الخطيرة التي نلحقها بالبيئة مثل تغيّر المناخ، والتصحر، والتلوث، وفقدان التنوع البيولوجي، فيؤدي إلى تحطيم ذلك “العهد بين الكائن البشري والبيئة، الذي يجب أن يكون مرآة لحبِّ اللهِ الخالق، الذي منه أتيْنا وإليه نعود”.
هذا التحدّي لصالح ثقافة رعاية بيتنا المشترك، وأيضًا لنا نحن، فيه مذاق الأمل، بما أنّه لا يوجد شك في أنّ البشريّة لم يكن لديها قط وسائل عديدة لتحقيق هذا الهدف كما هو الحال اليوم. يمكن مواجهة هذا التحدّي نفسه على مستويات مختلفة، وأودّ على وجه الخصوص أن أؤكد على اثنين منها وهما: المثال والعمل، والتربيّة. على كِلا المستويَين، وبإلهام من إيماننا وتقاليدنا الرّوحية، يمكننا أن نقدّم مساهمات مهمة.
الإمكانات التي تظهر أمامنا كثيرة، كما يبيّن ذلك النداء المشترك، حيث الكلام على مسارات تربيّة وتأهيل مختلفة يمكننا أن نطورها لصالح رعاية بيتنا المشترك.
3. هذه الرعاية هي أيضًا دعوة إلى الاحترام: احترام الخليقة، واحترام القريب، واحترام أنفسنا، واحترام الخالق. ولكن هي أيضًا الاحترام المتبادل بين الإيمان والعِلم، “للدخول في حوار فيما بينهما يهدف إلى العناية بالطبيعة، والدفاع عن الفقراء، وبناء شبكة من الاحترام والأخوّة”.
الاحترام ليس مجرد اعتراف سلبي ومجرّد للآخر، بل اعتراف هو تعاطف وعمل، ورغبة في أن نعرف الآخر وأن ندخل في حوار معه من أجل السير معًا في هذه الرحلة المشتركة، ونحن نَعلم جيدًا، كما جاء أيضا في النداء أنّ “ما يمكننا تحقيقه لا يعتمد فقط على الفرص والموارد، ولكن أيضًا على الأمل والشجاعة وحسن الإرادة”.
نظرة الترابط بعضنا مع بعض والمشاركة، والمحرِّك الذي هو الحبّ والدعوة إلى الاحترام. هذه هي مفاتيح القراءة الثلاثة التي يبدو لي أنّها تنير عملنا للعناية بالبيت المشترك. إنّ المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن التغيّر المناخي (COP26) الذي سيُعقد في مدينة غلاسكو مدعُوٌ بشكل مستعجل إلى تقديم أجوبة فعّالة للأزمة البيئية غير المسبوقة ولأزمة القيَم التي نعيشها، ومن ثَمَّ إلى تقديم أمل واقعي للأجيال القادمة: نودّ أن نرافق هذا المؤتمر مع التزامنا وقربنا الرّوحي.
https://cms.abouna.org/sites/default/files/2021-10/cq5dam.thumbnail.cropped.1000.563%20%281%29.jpeg
نداء مشترك
وتمّ توجه نداء مشترك يحمل توقيع البابا فرنسيس والقادة الدينيين.
وتحدّث النداء عن التجمع اليوم وبعد شهور من الحوار بين القادة الدينيين والعلماء، لزيادة الوعي بالتحديات غير المسبوقة التي تهدد بيتنا المشترك الجميل. وأكد النداء أن الإيمان يعلِّم واجب الاهتمام بالعائلة البشرية والبيئة التي تعيش فيها، كما وشدد على الاعتماد المتبادل فيما بيننا ومع الطبيعة وعلى أننا لسنا أسياد كوكبنا وموارده. وتابع النداء مشيرا إلى ارتباط المشاكل العديدة التي تواجه البشرية بأزمات في القيم الأخلاقية والروحية، وأضاف أننا مدعوون إلى العناية بأجيال المستقبل وعلينا واجب أخلاقي هو التعاون من أجل علاج الكوكب، وعلينا مواجهة هذه التحديات من خلال المعرف العلمية وحكمة الأديان. وأكد الموقعون أنه قد حانت لحظة القيام بعمل محوِّل كمسؤولية مشتركة.
ووتحدّث النداء عن الحاجة إلى إطار من الرجاء والشجاعة وأيضا إلى تغير في مفهوم التنمية. وتوقف البيان عند التغيرات المناخية باعتبارها تهديدا خطيرا، ودعا بالتالي إلى عمل مناخي مشترك على جميع المستويات. وأشار النداء في هذا السياق إلى ضرورة إيقاف انبعاثات الكربون في أسرع وقت ممكن معل ريادة للدور الأكثر رخاءً في تقليص الانبعاثات وتمويلها التقليص لدى الدول الأكثر فقرا. تحدث النداء أيضا عن ضرورة تبني الحكومات كافة إجراءات لإيقاف ارتفاع درجة الحرارة عند درجة ونصف مقارنة بالمستويات ما قبل الصناعية. كما ويطالب النداء الدول ذات المسؤولية والإمكانيات الأكبر بتوفير تمويلات لدعم الدول الضعيفة، وشدد على أهمية الاهتمام بحقوق الشعوب الأصلية والجماعات المحلية. طالب النداء من جهة أخرى الحكومات بطموح وتعاون دولي أكبر من أجل تحول إلى الطاقة النظيفة، تطبيقات مستدامة في مجال استخدام الأراضي، تغيير النظم الغذائية كي تكون صديقة للبيئة ومحترِمة للثقافات المحلية، القضاء على الجوع وتشجيع أساليب حياة واستهلاك وإنتاج مستدامة. كما ويدعو النداء ودعا المؤسسات المالية والمصارف والمستثمرين إلى تبني تمويل مسؤول، أما إلى منظمات المجتمع المدني وإلى الجميع فتوجَّه الدعوة إلى مواجهة التحديات بروح التعاون.
ومن بين ما شدد النداء على أهميته تعميق الجهود من أجل تغير في القلوب لدى أعضاء تقاليدنا فيما يتعلق بعلاقتنا بالأرض وبالأشخاص الآخرين، تشجيع المؤسسات التربوية والثقافية على تعزيز التربية على الإيكولوجيا المتكاملة وجعلها أولوية، المشاركة في النقاش العام حول قضايا البيئة، تأكيد ضرورة تقليص انبعاثات الكربون، وتشجيع الجماعات على تبني أسلوب حياة مستدام.
إعلام البطريركية - أبونا - وفاتيكان نيوز -4-10-2021
https://saint-adday.com/wp-content/uploads/2021/10/17-8-660x330.jpg
استضاف الفاتيكان، اليوم الاثنين الموافق 4 تشرين الأول 2021، لقاء جمع العلماء والقادة الدينيين والخبراء، تحت عنوان: “الإيمان والعلم: نحو COP26“، حيث وقّع المشاركون على نداء مشترك قبيل انعقاد المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن التغيّر المناخي (COP26)، والذي سيُعقد في مدينة غلاسكو، من 1 وحتى 12 تشرين الثاني المقبل.
واللقاء هو مبادرة فاتيكانيّة ولدت من اقتراح سفارة المملكة المتحدة والسفارة الإيطاليّة لدى الكرسي الرسولي. وقد تطورت من خلال اجتماعات افتراضية شهريّة بدأت في وقت سابق من العام الحالي، حيث تمكن القادة الدينيون والعلماء من مشاركة مخاوفهم ورغباتهم في تحمل مسؤولية أكبر تجاه الكوكب والدعوة لتقديم إجابة فعّالة للأزمة البيئية غير المسبوقة، كما ولأزمة القيم التي تعيشها البشريّة تجاه أمنا الأرض.
https://cms.abouna.org/sites/default/files/2021-10/cq5dam.thumbnail.cropped.1000.563.jpeg
ثلاثة مفاهيم للتعاون
وخلال اللقاء ألقى البابا فرنسيس كلمة قدّم فيها ثلاثة مفاهيم للتفكير في التعاون بين الإيمان والعلم.
وفيما يلي النص الكامل لكلمة الحبر الأعظم:
الرؤساء وممثلي الأديان، أصحاب السّعادة، الأصدقاء الأعزّاء! أشكركم جميعًا لوجودكم هنا مجتمعين، تبدون رغبتكم في إجراء حوار معمق بيننا ومع الخبراء في العلوم. اسمحوا لي أن أقدّم ثلاثة مفاهيم للتفكير في هذا التعاون: نظرة الترابط بعضنا مع بعض والمشاركة، والمحرك الذي هو الحبّ، والدعوة إلى الاحترام.
1. كلّ شيء مرتبط، كلّ شيء في العالم مرتبط بشكل وثيق. ليس العِلم فقط، بل أيضًا إيماننا وتقاليدنا الرّوحية تبيّن هذا الارتباط الموجود بيننا جميعًا ومع بقية الخليقة. نحن ندرك علامات التناغم الإلهيّة الموجودة في العالم الطبيعي: فلا يوجد مخلوق مكتفٍ بذاته، كلّ واحد موجود مرتبطًا بغيره، ليكمّل كلّ منهما الآخر، وليكون الواحد في خدمة الآخر.
يمكننا أن نقول تقريبًا إن الخالق أعطى الواحد للآخر، حتى ينموا ويتحققوا بصورة كاملة في علاقة حبّ واحترام. النباتات والمياه والكائنات الحيّة يرشدها قانون طبعه الله فيها لخير كلّ الخليقة.
أن نعترف بأنّ العالم مترابط لا يعني فقط فهم العواقب الضارة لأفعالنا، بل أيضًا تحديد التصرفات والحلول التي يجب تبنيها بنظرة منفتحة للترابط بعضنا مع بعض والمشاركة. لا يمكن لأحد أن يعمل بمفرده، فالتزام كلّ واحد من أجل العناية بالآخرين والبيئة هو أمرٌ أساسيّ، وهو التزام يؤدي إلى تغيير في المسار، وهو أمر مُلِحّ، ويجب أن يتغذى أيضًا من إيماننا الشخصيّ وروحانيتنا. بالنسبة للمسيحيين، تنبع نظرة الترابط بعضنا مع بعض من سرّ الله الثالوث نفسه: “الكائن البشري ينمو وينضج ويتقدّس بقدر دخوله في علاقة، حين يخرج من ذاته ليعيش في شركة مع الله، ومع الآخرين ومع جميع الخلائق. هكذا يتخذ، في وجوده الخاص، هذه الدينامية الثالوثية التي طبعها الله فيه منذ أن خلقه”.
إنّ اجتماع اليوم، الذي يوحّد العديد من الثقافات والرّوحانيات بروح الأخوّة، يعزّز الوعي بأنّنا أعضاء في عائلة بشريّة واحدة: لكلّ منا إيمانه وتقاليده الرّوحية، ولكن لا توجد حدود وحواجز ثقافية أو سياسية أو اجتماعية تسمح بأن ننعزل بعضنا عن بعض. لإلقاء الضوء على هذه النظرة، نريد أن نلزم أنفسنا بمستقبل يتكوّن من ترابطنا بعضنا مع بعض ومشاركتنا في المسؤولية.
2. يجب أن يتم السعي وراء هذا الالتزام باستمرار بواسطة المحرك الذي هو الحبّ: “إنّ الحبّ يُنشئ روابط في أعماق كلّ قلب، ويجعل الحياة أرحب، عندما يُخرِج الشخصَ من ذاته نحو الآخر”. ومع ذلك، فإنّ القوّة الدافعة للحبّ لا يتم “تحريكها” مرة واحدة وإلى الأبد، بل يجب إحياؤها يومًا بعد يوم، وهذه هي إحدى المساهمات الكبيرة التي يمكن أن يقدمها إيماننا وتقاليدنا الرّوحية في تسهيل تغيير المسار هذا الذي نحن بحاجة إليه كثيرًا.
الحبّ هو مرآة الحياة الرّوحية التي نعيشها بكثافة في أعماقنا. حبّ يمتد إلى الجميع، إلى ما وراء الحدود الثقافيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحبّ يدمج، أيضًا وقبل كلّ شيء، الأخيرين، الذين غالبًا ما يُعلموننا أن نتغلّب على حواجز الأنانية وأن نحطّم جدران الأنا.
هذا تحدٍّ ينشأ أمام ضرورة مواجهة ثقافة الإقصاء، التي تبدو أنّها تسود في مجتمعنا والتي تترسّخ على ما يسميه نداؤنا المشترك على ”بذور الصّراعات: الجشع، واللامبالاة، والجهل، والخوف، والظلم، وانعدام الأمن، والعنف“. هي بذور الصّراع نفسها التي تسبب الجراح الخطيرة التي نلحقها بالبيئة مثل تغيّر المناخ، والتصحر، والتلوث، وفقدان التنوع البيولوجي، فيؤدي إلى تحطيم ذلك “العهد بين الكائن البشري والبيئة، الذي يجب أن يكون مرآة لحبِّ اللهِ الخالق، الذي منه أتيْنا وإليه نعود”.
هذا التحدّي لصالح ثقافة رعاية بيتنا المشترك، وأيضًا لنا نحن، فيه مذاق الأمل، بما أنّه لا يوجد شك في أنّ البشريّة لم يكن لديها قط وسائل عديدة لتحقيق هذا الهدف كما هو الحال اليوم. يمكن مواجهة هذا التحدّي نفسه على مستويات مختلفة، وأودّ على وجه الخصوص أن أؤكد على اثنين منها وهما: المثال والعمل، والتربيّة. على كِلا المستويَين، وبإلهام من إيماننا وتقاليدنا الرّوحية، يمكننا أن نقدّم مساهمات مهمة.
الإمكانات التي تظهر أمامنا كثيرة، كما يبيّن ذلك النداء المشترك، حيث الكلام على مسارات تربيّة وتأهيل مختلفة يمكننا أن نطورها لصالح رعاية بيتنا المشترك.
3. هذه الرعاية هي أيضًا دعوة إلى الاحترام: احترام الخليقة، واحترام القريب، واحترام أنفسنا، واحترام الخالق. ولكن هي أيضًا الاحترام المتبادل بين الإيمان والعِلم، “للدخول في حوار فيما بينهما يهدف إلى العناية بالطبيعة، والدفاع عن الفقراء، وبناء شبكة من الاحترام والأخوّة”.
الاحترام ليس مجرد اعتراف سلبي ومجرّد للآخر، بل اعتراف هو تعاطف وعمل، ورغبة في أن نعرف الآخر وأن ندخل في حوار معه من أجل السير معًا في هذه الرحلة المشتركة، ونحن نَعلم جيدًا، كما جاء أيضا في النداء أنّ “ما يمكننا تحقيقه لا يعتمد فقط على الفرص والموارد، ولكن أيضًا على الأمل والشجاعة وحسن الإرادة”.
نظرة الترابط بعضنا مع بعض والمشاركة، والمحرِّك الذي هو الحبّ والدعوة إلى الاحترام. هذه هي مفاتيح القراءة الثلاثة التي يبدو لي أنّها تنير عملنا للعناية بالبيت المشترك. إنّ المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن التغيّر المناخي (COP26) الذي سيُعقد في مدينة غلاسكو مدعُوٌ بشكل مستعجل إلى تقديم أجوبة فعّالة للأزمة البيئية غير المسبوقة ولأزمة القيَم التي نعيشها، ومن ثَمَّ إلى تقديم أمل واقعي للأجيال القادمة: نودّ أن نرافق هذا المؤتمر مع التزامنا وقربنا الرّوحي.
https://cms.abouna.org/sites/default/files/2021-10/cq5dam.thumbnail.cropped.1000.563%20%281%29.jpeg
نداء مشترك
وتمّ توجه نداء مشترك يحمل توقيع البابا فرنسيس والقادة الدينيين.
وتحدّث النداء عن التجمع اليوم وبعد شهور من الحوار بين القادة الدينيين والعلماء، لزيادة الوعي بالتحديات غير المسبوقة التي تهدد بيتنا المشترك الجميل. وأكد النداء أن الإيمان يعلِّم واجب الاهتمام بالعائلة البشرية والبيئة التي تعيش فيها، كما وشدد على الاعتماد المتبادل فيما بيننا ومع الطبيعة وعلى أننا لسنا أسياد كوكبنا وموارده. وتابع النداء مشيرا إلى ارتباط المشاكل العديدة التي تواجه البشرية بأزمات في القيم الأخلاقية والروحية، وأضاف أننا مدعوون إلى العناية بأجيال المستقبل وعلينا واجب أخلاقي هو التعاون من أجل علاج الكوكب، وعلينا مواجهة هذه التحديات من خلال المعرف العلمية وحكمة الأديان. وأكد الموقعون أنه قد حانت لحظة القيام بعمل محوِّل كمسؤولية مشتركة.
ووتحدّث النداء عن الحاجة إلى إطار من الرجاء والشجاعة وأيضا إلى تغير في مفهوم التنمية. وتوقف البيان عند التغيرات المناخية باعتبارها تهديدا خطيرا، ودعا بالتالي إلى عمل مناخي مشترك على جميع المستويات. وأشار النداء في هذا السياق إلى ضرورة إيقاف انبعاثات الكربون في أسرع وقت ممكن معل ريادة للدور الأكثر رخاءً في تقليص الانبعاثات وتمويلها التقليص لدى الدول الأكثر فقرا. تحدث النداء أيضا عن ضرورة تبني الحكومات كافة إجراءات لإيقاف ارتفاع درجة الحرارة عند درجة ونصف مقارنة بالمستويات ما قبل الصناعية. كما ويطالب النداء الدول ذات المسؤولية والإمكانيات الأكبر بتوفير تمويلات لدعم الدول الضعيفة، وشدد على أهمية الاهتمام بحقوق الشعوب الأصلية والجماعات المحلية. طالب النداء من جهة أخرى الحكومات بطموح وتعاون دولي أكبر من أجل تحول إلى الطاقة النظيفة، تطبيقات مستدامة في مجال استخدام الأراضي، تغيير النظم الغذائية كي تكون صديقة للبيئة ومحترِمة للثقافات المحلية، القضاء على الجوع وتشجيع أساليب حياة واستهلاك وإنتاج مستدامة. كما ويدعو النداء ودعا المؤسسات المالية والمصارف والمستثمرين إلى تبني تمويل مسؤول، أما إلى منظمات المجتمع المدني وإلى الجميع فتوجَّه الدعوة إلى مواجهة التحديات بروح التعاون.
ومن بين ما شدد النداء على أهميته تعميق الجهود من أجل تغير في القلوب لدى أعضاء تقاليدنا فيما يتعلق بعلاقتنا بالأرض وبالأشخاص الآخرين، تشجيع المؤسسات التربوية والثقافية على تعزيز التربية على الإيكولوجيا المتكاملة وجعلها أولوية، المشاركة في النقاش العام حول قضايا البيئة، تأكيد ضرورة تقليص انبعاثات الكربون، وتشجيع الجماعات على تبني أسلوب حياة مستدام.