jerjesyousif
02-06-2024, 04:17 PM
رسالة راعوية بمناسبة حلول الصوم الكبير 2024
مسيرة روحيّة خاصة نحو الفصح – القيامة – السلام
http://www.karemlash.net/up/uploads/170723286828731.jpg (http://www.karemlash.net/up/)
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
الفصحُ – العبور، مِحورٌ مركزيٌّ في ايمانِنا المسيحيّ، يَطبعُ حياةَ المسيح في آلامه وموته وقيامته، ومسيرةَ المسيحّي في العيش معه، والاندماج فيه. روحانيّة الاشتراك في السرّ الفصحى، هي وحدَها قادرة على تغيير كلِّ شيءٍ برجاءٍ وثقة، وإنهاء الحروب وإحلال السلام.
في بداية الخليقة كانَ كلُّ شيء يَسير بسلاسة نحو “الله” المركز، لكن الانسان، سرعان ما انجر بحريّتِهِ إلى خياراتٍ غير سليمة، فظهرت انحرافات غير متوقعة، بسبب تقلبات طبيعة الانسان الذي ادار ظهره لله خالقه، واراد الانفصال عنه (موقف حواء وآدم، والابن الشاطر في انجيل لوقا 15). وكانت النتيجة انه لم يستطع التغلب على غرائزه، وأهوائه، وطموحاته، فتصلَّب قلبُه وحصل أن (الاخ قايين يقتل اخاه هابيل). ومنذئذ لا يزالُ الشرُّ مستمرأً بكل أشكاله: العنف والحرب والقتل والدمار والفساد وانتهاك حقوق الإنسان والاستهانة بتطلعاته المشروعة.
اليوم يبدو المشهد بشكل استثنائي أكثر تعقيداً، والوضع يتحرك نحو الأسوأ خصوصاً في منطقتنا، بسبب تخلي الناس عن القيم الانسانية والدينية، لذلك يعيش عالمنا حالة من الفوضى وفقدان التوازن، وعدم استقرار النظام العالمي وموازين القوى: انقسامات داخلية من اجل السلطة والمال، وتدخلات خارجية لمصالح سياسية واقتصادية، وانتشار العمليات الإرهابية، وحروب مدمرة هنا وهناك، خصوصا على ارض يسوع واوكرانيا وفق قاعدة: إما نحكم وإما نقتل.
كل هذا يجعل قلوب الناس منكسرةً ومضطربةً، وفكرهم مشتتاً وقَلِقاً وخائفاً.
هذه العواصف التي تشكل وصمة عار على جبين البشرية، يجب تصحيحُها. على الكنيسة في رسالتها السامية الا تكتفي بخطاب خجول او دبلوماسي، بل ان ترفع صوتَها ليس أقل من أصوات الانبياء، وتصنف هذه الأفعال على أنها خطايا كبرى، وجرائم ضد الانسانية.
الصوم
في هذا الوسط الهش يأتي هذا العام (12 شباط -30 آذار)، زمن الصوم الكبير، الذي يسبق آلام المسيح وموته وقيامته، ليُعطي حياتَنا أفقًا جديدًا، من خلال تمييز الصح من الخطأ، والحق من الباطل، والخير من الشرّ، واختيار ما يريده الله، والتآلف مع بعضنا البعض للتغيير والارتقاء نحو الافضل، بروح التواضع والمصالحة والحكمة.
الصوم زمن لترميم الذات، وتنشئتها، وصقلها، لاستعادة الانسان صورتَه التي خلقها الله “على صورته ومثاله” (تكوين1/ 26).
الصوم ليس صوماً عن الطعام فحسب، بل عن ارتكاب الخطيئة. إنه زمن التوبة من خلال ما يوفره من مناخ نفسي وروحي. والتوبة Metanoia التي تعني حرفياً “التحول” من الخطيئة الى الله، هي الكلمة المركزيّة في كرازة يسوع.
التوبة دعوة الى الدخول في العهد الجديد، ومنطقه، وافساح المجال للروح القدس ليملانا، ويغيّرنا من الداخل، فتتغير نظرتُنا وأسلوبُ حياتنا.
التوبة تعزز ارتباطنا بالله، وببعضنا البعض بصدق في السعي للانتعاش الروحيّ والانساني والكنسي، والعمل معا بشجاعة في اشاعة ثقافة الحياة والاخوة والسلام والعيش المشترك بوئام، لإنهاض المجتمع وتحقيق الاستقرار واحترام كرامة الإنسان وحريته.
الصوم زمن قوي للاعتراف بخطايانا البشعة، والتخلي عن العادات السيئة، ونزع جذور الانانية واللامبالاة والكراهية والعنف، والرياء والتشهير والنفاق، والسعي وراء المتعة، والاستسلام لها، والرغبة في الجشع، حتى بطرق محرمة، والسيطرة على مقدرات الاخرين واستغلالهم، للتحول إلى صدق الإخلاص واستقامة الأخلاق.
الصوم هو بمثابة غسل شامل للذات كما نفعل لمركباتنا! ولنا في ذلك أمثلة في الإنجيل مع زكا العشار والمجدلية.
الصوم زمن لتطبيق وصيّة المحبة والرحمة. وقد فضل يسوع المسيح الرحمة على الذبيحة، ذلك برفع الجدران التي تفصلنا عن الاخرين، والعطاء السخي لمساعدة الاخوة المحتاجين كما جاء في توصيات النبي أشعيا: “أَلَيسَ الصَّومُ الَّذي فَضَّلتُه هو هذا: حَلُّ قُيودِ الشَّرِّ وفَكُّ رُبُطِ النِّير وإِطْلاقُ المَسْحوقينَ أَحْراراً وتَحْطيمُ كُلِّ نير؟ أَلَيسَ هو أَن تَكسِرَ للجائِعِ خُبزَكَ وأَن تُدخِلَ البائسينَ المَطْرودينَ بَيتَكَ وإذا رَأَيتَ العُرْيانَ أن تَكسُوَه وأَن لا تَتَوارى عن لَحمِكَ” (أشعيا 58/ 6-7).
الدعم الإلهي
العليقـــة المشتعلــــة: “أنا أكـــون معـــــك” (خروج 3/ 12)
“ها أنا معكم كلّ الأيام إلى نهاية العالم” (متى 28/ 20)
ما أجمل ان يلتقي العهدان الجديد والقديم، على قرب الرب منا. “الله معنا عمانوئيل”. هذا اساس وجودنا، وهو الطريق الى الخلاص. فما علينا سوى ان نسير مع المسيح بأمانة. بهذه الثقة والصلاة نقدر ان نقول: “إني ولو سلكت في وادي ظلال الموت، لا اخاف شراً لأنك معي”(مزمور 23/ 4). هذه هي جدة تعليم المسيح.
علينا العودة الى الأصل- الاصالة authenticity، وإعطاء المثال الرائع لرعايانا وعائلاتنا ومجتمعنا، وذلك من خلال الاهتداء ومعالجة التصرف الشرير بشكل حاسم، قبل أن تحل الكارثة، واصلاح العلاقة مع الله ومع بعضنا البعض، بإيثار نموذجي متبادل، للوصول على مثال المسيح الى النهاية المجيدة: للعبور الى القيامة والحياة والتجدد “ܩܝܡܬܐ ܘܚܝ̈ܐ ܘܚܘܕܬܐ“ كما هو شعار ليتورجيتنا الكلدانيةّ والى السلام في عالمنا القابع في الظلام.
صوم مبارك وقيامة مجيدة للجميع والسلام لبلدنا العراق ومنطقتنا وعالمنا
مسيرة روحيّة خاصة نحو الفصح – القيامة – السلام
http://www.karemlash.net/up/uploads/170723286828731.jpg (http://www.karemlash.net/up/)
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
الفصحُ – العبور، مِحورٌ مركزيٌّ في ايمانِنا المسيحيّ، يَطبعُ حياةَ المسيح في آلامه وموته وقيامته، ومسيرةَ المسيحّي في العيش معه، والاندماج فيه. روحانيّة الاشتراك في السرّ الفصحى، هي وحدَها قادرة على تغيير كلِّ شيءٍ برجاءٍ وثقة، وإنهاء الحروب وإحلال السلام.
في بداية الخليقة كانَ كلُّ شيء يَسير بسلاسة نحو “الله” المركز، لكن الانسان، سرعان ما انجر بحريّتِهِ إلى خياراتٍ غير سليمة، فظهرت انحرافات غير متوقعة، بسبب تقلبات طبيعة الانسان الذي ادار ظهره لله خالقه، واراد الانفصال عنه (موقف حواء وآدم، والابن الشاطر في انجيل لوقا 15). وكانت النتيجة انه لم يستطع التغلب على غرائزه، وأهوائه، وطموحاته، فتصلَّب قلبُه وحصل أن (الاخ قايين يقتل اخاه هابيل). ومنذئذ لا يزالُ الشرُّ مستمرأً بكل أشكاله: العنف والحرب والقتل والدمار والفساد وانتهاك حقوق الإنسان والاستهانة بتطلعاته المشروعة.
اليوم يبدو المشهد بشكل استثنائي أكثر تعقيداً، والوضع يتحرك نحو الأسوأ خصوصاً في منطقتنا، بسبب تخلي الناس عن القيم الانسانية والدينية، لذلك يعيش عالمنا حالة من الفوضى وفقدان التوازن، وعدم استقرار النظام العالمي وموازين القوى: انقسامات داخلية من اجل السلطة والمال، وتدخلات خارجية لمصالح سياسية واقتصادية، وانتشار العمليات الإرهابية، وحروب مدمرة هنا وهناك، خصوصا على ارض يسوع واوكرانيا وفق قاعدة: إما نحكم وإما نقتل.
كل هذا يجعل قلوب الناس منكسرةً ومضطربةً، وفكرهم مشتتاً وقَلِقاً وخائفاً.
هذه العواصف التي تشكل وصمة عار على جبين البشرية، يجب تصحيحُها. على الكنيسة في رسالتها السامية الا تكتفي بخطاب خجول او دبلوماسي، بل ان ترفع صوتَها ليس أقل من أصوات الانبياء، وتصنف هذه الأفعال على أنها خطايا كبرى، وجرائم ضد الانسانية.
الصوم
في هذا الوسط الهش يأتي هذا العام (12 شباط -30 آذار)، زمن الصوم الكبير، الذي يسبق آلام المسيح وموته وقيامته، ليُعطي حياتَنا أفقًا جديدًا، من خلال تمييز الصح من الخطأ، والحق من الباطل، والخير من الشرّ، واختيار ما يريده الله، والتآلف مع بعضنا البعض للتغيير والارتقاء نحو الافضل، بروح التواضع والمصالحة والحكمة.
الصوم زمن لترميم الذات، وتنشئتها، وصقلها، لاستعادة الانسان صورتَه التي خلقها الله “على صورته ومثاله” (تكوين1/ 26).
الصوم ليس صوماً عن الطعام فحسب، بل عن ارتكاب الخطيئة. إنه زمن التوبة من خلال ما يوفره من مناخ نفسي وروحي. والتوبة Metanoia التي تعني حرفياً “التحول” من الخطيئة الى الله، هي الكلمة المركزيّة في كرازة يسوع.
التوبة دعوة الى الدخول في العهد الجديد، ومنطقه، وافساح المجال للروح القدس ليملانا، ويغيّرنا من الداخل، فتتغير نظرتُنا وأسلوبُ حياتنا.
التوبة تعزز ارتباطنا بالله، وببعضنا البعض بصدق في السعي للانتعاش الروحيّ والانساني والكنسي، والعمل معا بشجاعة في اشاعة ثقافة الحياة والاخوة والسلام والعيش المشترك بوئام، لإنهاض المجتمع وتحقيق الاستقرار واحترام كرامة الإنسان وحريته.
الصوم زمن قوي للاعتراف بخطايانا البشعة، والتخلي عن العادات السيئة، ونزع جذور الانانية واللامبالاة والكراهية والعنف، والرياء والتشهير والنفاق، والسعي وراء المتعة، والاستسلام لها، والرغبة في الجشع، حتى بطرق محرمة، والسيطرة على مقدرات الاخرين واستغلالهم، للتحول إلى صدق الإخلاص واستقامة الأخلاق.
الصوم هو بمثابة غسل شامل للذات كما نفعل لمركباتنا! ولنا في ذلك أمثلة في الإنجيل مع زكا العشار والمجدلية.
الصوم زمن لتطبيق وصيّة المحبة والرحمة. وقد فضل يسوع المسيح الرحمة على الذبيحة، ذلك برفع الجدران التي تفصلنا عن الاخرين، والعطاء السخي لمساعدة الاخوة المحتاجين كما جاء في توصيات النبي أشعيا: “أَلَيسَ الصَّومُ الَّذي فَضَّلتُه هو هذا: حَلُّ قُيودِ الشَّرِّ وفَكُّ رُبُطِ النِّير وإِطْلاقُ المَسْحوقينَ أَحْراراً وتَحْطيمُ كُلِّ نير؟ أَلَيسَ هو أَن تَكسِرَ للجائِعِ خُبزَكَ وأَن تُدخِلَ البائسينَ المَطْرودينَ بَيتَكَ وإذا رَأَيتَ العُرْيانَ أن تَكسُوَه وأَن لا تَتَوارى عن لَحمِكَ” (أشعيا 58/ 6-7).
الدعم الإلهي
العليقـــة المشتعلــــة: “أنا أكـــون معـــــك” (خروج 3/ 12)
“ها أنا معكم كلّ الأيام إلى نهاية العالم” (متى 28/ 20)
ما أجمل ان يلتقي العهدان الجديد والقديم، على قرب الرب منا. “الله معنا عمانوئيل”. هذا اساس وجودنا، وهو الطريق الى الخلاص. فما علينا سوى ان نسير مع المسيح بأمانة. بهذه الثقة والصلاة نقدر ان نقول: “إني ولو سلكت في وادي ظلال الموت، لا اخاف شراً لأنك معي”(مزمور 23/ 4). هذه هي جدة تعليم المسيح.
علينا العودة الى الأصل- الاصالة authenticity، وإعطاء المثال الرائع لرعايانا وعائلاتنا ومجتمعنا، وذلك من خلال الاهتداء ومعالجة التصرف الشرير بشكل حاسم، قبل أن تحل الكارثة، واصلاح العلاقة مع الله ومع بعضنا البعض، بإيثار نموذجي متبادل، للوصول على مثال المسيح الى النهاية المجيدة: للعبور الى القيامة والحياة والتجدد “ܩܝܡܬܐ ܘܚܝ̈ܐ ܘܚܘܕܬܐ“ كما هو شعار ليتورجيتنا الكلدانيةّ والى السلام في عالمنا القابع في الظلام.
صوم مبارك وقيامة مجيدة للجميع والسلام لبلدنا العراق ومنطقتنا وعالمنا