المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السينودس، مجمعيّة مسؤولة، والتزام بالعمل معاً


odisho youkhanan
07-11-2024, 04:07 AM
السينودس، مجمعيّة مسؤولة، والتزام بالعمل معاً

لمناسبة انعقاد السينودس الكلداني 15-19 تموز الحالي

http://www.karemlash.net/up/uploads/172066716360971.jpeg (http://www.karemlash.net/up/)

الكاردينال لويس روفائيل ساكو

معنى السينودس وهدفُه

السينودس synodos كلمة يونانية تعني “السير معًا والعمل معا”، وفي السريانية – الكلدانية يُستخدم مصطلح “ܟܢܘܫܝܐ” ويعني المجمع/ الاجتماع، وهو نهج أساسي لإدارة الكنيسة، خصوصاً بالنسبة للكنائس الشرقية، ويعود الى القرون المسيحية الأولى.

السينودس من أهم أحداث الكنيسة. الهدف منه هو التشجيع على “المجمعيَّة”، في دراسة سبل سير الكنيسة- الجماعة، مع المسيح، وحمل رسالته تحت أنوار الروح القدس، في ظروف كلِّ زمان ومكان.

السينودس يدعم وحدة الكنيسة، ويحافظ على خصوصيّتها كذاتِ حقٍّ خاص Sui juris، لكنها في شركة تامة مع الكنيسة الكاثوليكية ومرتبطة بسلطة الحبر الأعظم، بصفته خليفة بطرس “مع بطرس وتحت سلطته” cum Petro et sub Petro، وضمن سلطة البطريرك بصفته رئيس وأب كنيسته caput et pater.

السينودس زمن خاص، يجتمع فيه أساقفة الكنيسة (الكلدانية بالنسبة لنا)، للتفكير حول مسائل متعلقة بكنيستهم وحاجاتها، وسط التحوّلات الكبيرة الطارئة على المجتمع الحالي، والتي غيّرت عقلية الناس وثقافتهم. كذلك لمناقشة التحدّيات التي يعيشها المجتمع الذي نحن جزء أصيل من نسيجه، مثل موضوع السلام والاستقرار، وحقوق الانسان والهجرة، لتسليط نور الله عليها، وترسيخ الرجاء عند الناس. للكنيسة كلمة في السياسة.

أجواء المناقشة

الجو الانسيابي المريح في السينودس يَخلقُه كلُّ أسقفٍ بوعيه لمسؤوليته، ورحابة صدره، ولياقته، وأسلوب مشاركته لخير الكنيسة، بعيداَ عن غايات شخصيّة خاصة. هذا ما يُضفي على السينودس فعاليّة ورقيًّا، إذ لا توجد طاعة عمياء، ولا دكتاتورية، أو كسر ارادات، كما يروّج البعض، بينما أحدهم يستعمل مع كهنته عبارة: “أكسر رأسك”! في نظرة عامة إلى المصاف الأسقفي، فالأساقفة متنوعون، والغالبية العظمى متفاهمون، ومتعاونون، ويحبّون كنيستهم.

لقد ادرت في 11 أكتوبر 2018 الجمعية العامة الحادية عشرة لسينودس الأساقفة بروما، حول موضوع “الشباب وتمييز الدعوات” وخلال ثلاثة اسابيع. كان حاضراً فضلاً عن البابا فرنسيس 267 بطريركاً وكردينالاً وأسقفاً ورئيساً عاماً. مرّت الجلسات بانسيابية، وفي جوّ ودّي لم يخلُ من بعض نكات! ولقد شكرني البابا في الختام.

تَقدم السينودس يتم بفضل الدور الذي يقوم به كلُّ أسقف. السينودس ليس “مقهى”، لذا يتحتم احترام الية النقاش، والتقيّد بالنظام. وكمثل أي اجتماع حضاري، فإن البطريرك بصفته رئيس السينودس، يضطلع بدور المحافظة على النظام، واحترام الثوابت. يُعطي الكلام لمن يَطلبه شرط ان يكون في إطار الموضوع، ومن دون الاسترسال.

للبطريرك صوت واحد مثل كلّ أسقف. والتصويت سريٌّ. وإعلان نتائج التصويت يتم من قبل اسقفين امام الجميع. تلك مسؤولية ضميرية.

إني رشحت للأسقفية من كان يختلف معي في الرأي، وذلك من باب الواجب الضميري، رشحته لكفاءته. اني انظر الى مصلحة الكنيسة، وليس الى علاقتي الشخصية بالافراد، خصوصاً وان هذا الموقف محمي بسياق يتم عبر اجراء تقصّي دقيق عن المرشح من قِبَل الكرسي الرسولي.

جدول الأعمال يُرسل الى الأساقفة قبل انعقاد السينودس بشهرين تقريبا، ويعتمد بعد مناقشته مع السينودس الدائم (أربعة أساقفة، ثلاثة منهم يختارهم الأساقفة، بالتصويت والرابع يعينه البطريرك).

تتم مناقشة المواضيع المدرجة في جدول الأعمال خلال جلسات السينودس، وبكل الأدوات المتاحة. هذا العمل الكَنَسي الجماعي يتقدم عندما نقوم به، متحدين، ومصغيين إلى نداء الروح، وقبول رأي الغالبية.

برغم كل الظروف والمعوّقات: مثل عدم استقرار الوضع، وتهجير عناصر الدولة الإسلامية (داعش) المسيحيين من الموصل وبلدات سهل نينوى، أقول: لقد حافظنا حتى الآن على التوازن والإجماع.

التحديث

ان توجه الكنيسة الكاثوليكية منذ المجمع الفاتيكاني الثاني والى اليوم هو توجه حداثي aggiornamento.

من هذا المنطلق اخترت شعار “الاصالة، الوحدة، التجدد”. ولقد حققنا الكثير بفضل إخوتي الأساقفة: تأوين الطقوس، وطباعتها بشكل أنيق. يكفينا فخراً ان البابا فرنسيس لأول مرة في تاريخ البابوية يحتفل بالقداس بحسب طقس شرقي (كلداني) ببغداد 6 أذار 2019. للأسف أحد الأساقفة، لم تمر سنتان على رسامته، يتقاطع مع توجّه الكنيسة الكاثوليكية نحو تأوين الطقوس، وينتقد تجديد السينودس لطقوس الصلاة المثبتة من قِبَل الكرسي الرسولي، ذلك على صفحته، بأسلوب الاستهزاء ولغة عربية ركيكة!

كما تم اعداد الحق الخاص بكنيستنا، وضبط النهايات السائبة بحسب القوانين الكنسية لدى الكهنة واللجان المالية، ومتابعة التنشئة المستدامة للكهنة، وتنفيذ عدة مشاريع. هذا فضلا عن العمل الجبار في إغاثة المهجَّرين من قِبل داعش، وإعادة اعمار بيوتهم بعد التحرير، وتأسيس الرابطة الكلدانية، والدفاع عن حقوق المسيحيين والمطالبة بدولة مواطنة حقيقية، مما حوَّل البطريركية الى مرجعية مسيحية امام الحكومة، وصوتاً للمسيحيين في المحافل الدولية، لذلك تم استهدافها! الشكر لله ان الحق انجلى والكنيسة الكلدانية ظلَّت صامدة.

عقبات

ما يحصل حاليا من ” ضجة” هي مواقف شخصية خاصة، لا علاقة لها بخير الكنيسة.! أعرف مكامن الأمور. اني أؤمن بالمعارضة الحضارية عندما تكون لخير مستقبل الكنيسة، ولكن لا اقبل معارضة من أجل تحقيق غايات شخصية!

احد الأساقفة المعترضين، عوض ان يدعم كنيسته، راح يدعم علناً جهة سياسية استولت على بيوت المسيحيين ولا تزال، واحتكرت مقدَّراتهم، وزعيمها مصنف بالإرهاب، ويستمر في انتهاك حقوق الإنسان. اني لا استغرب ان يفعل ما فعل البطريرك طيمثاوس الأول (†823) بكيس الحجارة الذي حسبه المنتخبون كيس قطع ذهبية! أحد كهنته الشباب ترك الكهنوت وتزوج ويعمل حاليا في قناة تلفزيونية تابعة لهذه الجهة، ينشر على صفحة خاصة لنفس الجهة أموراً مقززة عن البطريرك وبعض الاساقفة والكهنة، لا أود ذكر الأسماء حماية لسمعتهم! واسأل من يسرّب اخبار الاجتماعات كاجتماع بعض رؤساء الكنائس هذا العام واخبار المجمع الدائم لهذا العام؟

اخرون اختلفوا معي لأني لم ارضخ لطلباتهم وقراراتهم لأنها كانت تشكّل خطرا على الأبرشية. اتساءل: هل هو اسقف أبرشية، ام هو مختار أو مدير ناحية؟.

هؤلاء الأساقفة كتبوا رسالة، ولقد اجبت على ما جاء فيها بدقة. سوف انشر الرسالتين في الوقت المناسب!

التهديد بعدم حضور السينودس، حالة مؤسفة، وهي في الاتجاه السيء، ولا اعلم على ماذا يراهنون. انهم متوهمون، فالخاسر هو المنسحب. من له وجهة نظر لخير الكنيسة، لتكن له الشجاعة ويأتي ويناقش بكل حريّة ومنطق وليُقنِع آباء السينودس بوجهة نظره، من دون ان يزايد او يزعل!

أذكر في زمن مثلث الرحمات البطريرك عمانوئيل دلي، كنا عشرة أساقفة، طلبنا منه لخير الكنيسة وليس لمصالح شخصية، اعداد جدول اعمال سينودس 2008، ومنحنا الوقت الكافي لدراسته، وايَّد طلبنا المجمع الشرقي، لكن البطريرك رفض. في النهاية تراجع ثلاثة منا، وسبعة تغيبوا وفشل السينودس! والوثائق موجودة في أرشيف البطريركية.

أخيراً

أقول للجميع أننا سنثابر على العمل من أجل خير الكنيسة وتقدّمها، ومن أجل بلدنا العزيز العراق، بالرغم من كل المعاناة والصعوبات اليومية. إننا لن نستسلم أبداً للزوابع، إيماناً بان الرب سيقويّنا في كل الشدائد، كما يقوي حالياً البابا فرنسيس، أمام حملات الانتقاد والتسقيط. إنها الطبيعة البشرية! لكن يقيناً ان الكنيسة المبنية على الصخرة لن تهتز ولن تنكسر!