فرقٌ كبيرٌ بين الطاعة والطاعة العمياء
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
قرأتُ بعض تعليقاتٍ عن الطاعة، والطاعة العمياء، اعتبرها في غير مكانها، وفي هذا الوقت بالذات، ونحن على ابواب انعقاد السينودس، وبعد عشر سنوات من بطريركيتي. لا أفهم ما الهدف منها، خصوصاً وأننا ككنيسة نعمل في السينودس (مجمع الأساقفة)، والقرارات تحصل بالتصويت السرّي، وبالأغلبية؟ لذا أوَد ان أوضح مضمون المفردات هذه بمنهجية علمية ومنطق.
الطاعة
الطاعة نهجٌ أساسيٌّ لتنظيم حياة الناس في الدولة، أو المؤسسة، أو الكنيسة، أو الاسرة، تجنباً للاضطراب disorder والفوضى anarchy وتداعياتها، حين يعمل كلُّ واحدٍ ما يشاء بمعزل عن الاخرين.
الطاعة سلوكٌ بشريٌّ، طبيعيٌّ ضروريٌّ، يعبّر عن الاستعداد الواعي لتطبيق تعليمات، تصدر من شخص كنسي، أو إداري، ذي “سلطة شرعيّة”. اذكر على سبيل المثال الطاعة لله الخالق، تعني الانقياد لوصاياه، ومن يرفضها، يرفض الله. هكذا الطاعة لقوانين الدولة لتحقيق العدالة، والطاعة للوالدين هي نوع من أنواع الادبيات المألوفة لتماسك الاسرة، والمحافظة على العلاقات، والوحدة، والتناغم بين افرادها.
الطاعة العمياء
الطاعة سلوك أخلاقي يلزم الشخص باحترام النظام discipline، وليست طاعة عمياء. الطاعة العمياء غير موجودة. الطاعة العمياء تعود الى نظام العبودية حيت كان العبد يُحصَى بين الأشياء التي يمتلكها سيّده. الطاعة العمياء، طاعة مطلقة، أي من دون نقاش وبدون معرفة الأسباب.
اليوم من يتكلم عن الطاعة العمياء، انما يعتمد التنميط والتضليل! لأن إذا كانت موجودة، لتكلمت عنها الأغلبية الساحقة؟ ان وجِدَ سوء فهم، يمكن حلّه عبر الحوار المسؤول والصادق والجديّ، حرصاً على المؤسسة وليس بانتقادات خارجية! الحرية مسؤولية، والناس تميز الشخص الصادق، لان ثمة فرق كبير بين الكلام والافعال.
من يدعو الى إيقاف تجديد الليتورجيا (طقوس الصلوات) والعودة الى التقليد: كالصلاة نحو الشروق (أي الظهر للناس) وإعادة الستارة التي تفصل المذبح عن المُصلّين، وعدم التقيّد بزمن الاحتفال. هذا الشخص يعيش خارج الزمن، ولا يلتزم بقوانين الكنيسة. انه يجهل ان بذور التجديد موجودة في طبيعة الليتورجيا ولا يميز بين الأصيل والدخيل! كما انه يخالف دعوة المجمع الفاتيكاني الثاني، وتعليمات البابوات، ودعوة البابا فرنسيس للسينودالية، الذي دعا قبل أسابيع الكهنة الى عدم إطالة “الموعظة” لان الناس تنعس! هذه الأفكار الرافضة “التغيير” هي من أجل الرفض فقط، تُفرغ هذه العناوين الجميلة(الطاعة والمحبة والتجديد والاصالة) من مضمونها واطارها.
آن الأوان
لنفتح باب قلوبنا للرب، كما قال البابا فرنسيس في موعظته في عيد الرسولين بطرس وبولس في كنيسة مار بطرس 29 حزيران 2024.
لنركّز على خدمتنا الكهنوتية ودورنا للسير بكنيستنا الى الوحدة وملء الشركة.
لنتحمّل مسؤوليّاتنا الإنسانيّة والوطنيّة، وسط التحديات العميقة والتحولات المتسارعة في بلدنا ومنطقتنا، بدل تضييع الوقت في تجاذبات جانبية.