الكاردينال لويس روفائيل ساكو
اليوم، تَغَيَّرَ المجتمع كثيراً، والثقافة وتفكير الناس. وتجد الكنيسة نفسها أمام تحدٍ شديد. من ناحية كيف لها ان تواجه علمانيّة شبه مطلقة مع تحولات عميقة للقيم الروحية في الغرب، و بالنسبة للكنائس الشرقية الهجرة، ومن ناحية أخرى تزايد الاصولية الدينية في الشرق، ونفوذ وسائل التواصل الاجتماعيsocial media بكل اشكالها، والذكاء الاصطناعي، لكن لا ينبغي ان تخاف من التغييِّر.
شيئنا أم أبينا، أن هذا التغيير أثَرَّ على تفكير المجتمع، والتزامه الديني. وأثر على أداء الكنيسة لدورها. من هنا جاء المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965) لفتح النوافذ على العالم وعلى التفكير بنمط مختلف للراعويات والتعليم المسيحي والتجديد aggiornamento. ثم بعد ستين سنة هاهي ذي دعوة البابا فرنسيس الى السينودالية: “السير معا والعمل معاً” لمساعدة الكنيسة على تمييز دورها ومراجعة هيكلياتها وأساليب تعليمها وليتورجياتها..الخ
ينبغي اخذ هذا الواقع على محمل الجد، ومن دون وهم. فالسؤال المطروح على الكنيسة هو كيف يمكن لها المحافظة على الايمان بروحانية الرجاء والثقة، والتبشير بشكل مناسب في قلب عالم سريع التحول؟ وكيف يمكن للكنيسة ان تكون امينة للرسالة الموكلة اليه، وإيجاد أدوار جديدة، مثلا إسهام العلمانيين في حياتها، وخصوصاً الاستفادة من كاريزما المرأة لا سيما ان ثمة علمانيين من كلا الجنسين يدرسون اللاهوت والفلسفة والطقوس، وأحيانا هم أكثر ثقافة من بعض رجال الكنيسة.
هناك من يخاف التغيير، وينتقد ويطالب بالتقييد حرفيّا بالتقليد، طقوساً وتعليماً ولباسا، ويريد إيقاف عجلة الزمن. ثمة بعض الأساقفة والكهنة لا يزالون لا يستخدمون تجديدات السينودس التي ثبتت من قبل الكرسي الرسولي. هكذا اشخاص يعيشون خارج الزمن، لا يُدركون ان العالم تغير، والثقافة تغيرت، وأوضاع الناس تغيرت، وافكارهم تغيرت ولغتهم تغيرت، وان الكنيسة لم تنجو من هذه التحولات الجوهرية. هكذا تفكير يطمس الحقيقة، لذلك على الكنيسة أن تأخذ على محمل الجد هذا الواقع، وان تفهم ان هذا التحول لا رجعة فيه.
اني الان في إسطنبول لبضعة أيام، وترأستُ القداس في كنيستنا الصغيرة الجميلة، وبصراحة احترت بأية لغة احتفل خاصة واني اجهل التركيّة. هناك عراقيون يتقنون الالحان بالكلدانية والسورث، وهناك اتراك لا يعرفون سوى التركية، وهناك من يعرف فقط العربية. كانت الصلوات مترجمة إلى أربع لغات.
فسألت نفسي عن مدى تأثير هذه الصلوات على الحضور؟ وكيف تمت ترجمة المصطلحات الكلاسيكية الى لغة جديدة مختلفة تماما عن الكلدانية ومدى دقتها. وهكذا في بلدان الشتات مع الإنكليزية والفرنسية والألمانية والهولندية. نحن إذاً نواجه أزمة حقيقية!
الا يجدر بنا ان نبحث عن مفردات جديدة بأسلوب علمي وتربوي ملائم، ومصطلحات جديدة، وتراتيل جديدة خاصة بهذه اللغات؟ وأن نقتنع بان الترجمة الحرفية لا تفي بالغرض! كما ينبغي اختيار قراءات من الكتاب المقدس بدقة قادرة ان تحكي لأناس اليوم وترسخ إيمانهم ورجاءهم. كما انه يفضل بناء كنائس صغيرة بريازة مختلفة لجماعة رعوية متجانسة التنشئة، ونوعا ما يعرفون بعضهم، بدل الكاتدرائيات الكبيرة والتي تركها الغرب.
السيد المسيح والرسل أعلنوا البشارة بلغة زمانهم وصلوا في بيوت المؤمنين، وكذا اباء الكنيسة بالنسبة للاهوت وتنظيم الليتورجيا. أما يتعين على الكنيسة ان تعبر عن ايمانها وصلاتها ونظمها بلغة زمانها حتى لا تفقد رسالتها الخاصة في المجتمع وحيويتها؟
إني لا أخاف على الكنيسة، لأنها كنيسة المسيح وهو يحميها، ولان فيها الروح يهب حيث يشاء (يوحنا 3/8). أؤمن بان الحماس لا يزال موجودا والرغبة في التجديد، لكن ليس من دون تساؤل. وهو سوف يتجاوز لا محالة الأصوليين الذين يبررون تصرفاتهم.
هذا هو المستقبل وهذا هو الأمل.