هل فعلاً سيهجر المسيحيون لبنان؟
أليتييا /هيثم الشاعر | أغسطس 27, 2020
يسيطر القلق على مسيحيي لبنان بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنيّة التي يمرّ بها وطنهم، نسمع كثيراً عن أنّهم يريدون الرحيل تاركين خلفهم أموالهم وأرضهم وكلّ ذكرى طيّبة، فهم لن يتمكّنوا من الاستمرار في وطن أصبح أرض خراب سيما بعد انفجار بيروت.
هذه ليست شائعات، وأخبار صحف، إنها حقيقة مرّة للأسف يشعر بها كلّ مسيحي عاشق للحريّة ويريد تحسين ظروف حياته، نرى إقبالاً كثيفاً على الهجرة، حتى إنّ البعض يفضّل الهجرة إلى بلاد لم يسمع بها قطّ، فالاستقرار الاقتصادي والسياسي والامني انقرض في لبنان.
حاول المسيحيون خلال الحرب الأليمة البقاء والدفاع عن أرضهم، وللاسف، الهجرة الأكبر لهؤلاء كانت بعد حرب شرسة بين الأخوة كما يصفها البعض، هناك من يرمي التهم على هذا الفريق أو ذاك، نحن لا نتكلّم في السياسة، ولكن هناك واقع لا يمكن المرور عليه ببساطة.
بعد الحرب، حاول المسيحيون قدر المستطاع استنهاض الهمم والبقاء في أرضهم، غير إنّ وضعهم السياسي لم يكن سهلاً، فهم عانوا من سنوات مرّة شعروا خلالها باضطهاد سياسي وقمع للحريات عندما كان الجنرال عون في المنفى، والدكتور سمير جعجع في السجن.
اعتقد هؤلاء أنّ الوضع سيتحسّن مع خروج جعجع من السجن، وعودة عون من المنفى، اليوم، الشارع المسيحي منقسم، هناك من يشعر أنّ الرئيس عون ما زال يدافع عن الوجود المسيحي، وآخرون يشعرون أنّ المسيحيين يمرّون بفترة عصيبة لم يشهدها لبنان من قبل. نكرّر، لسنا ندخل في السياسة إنما ننقل واقعاً لا يمكن إغفاله.
قبل أن يزداد الوضع الاقتصادي والأمني سوءاً، سقط بعض المجتمع المسيحي بفخّ العولمة والانفتاح غير المنضبط، وكلّنا عايشنا الانفلات الأخلاقي في المجتمع المسيحي الذي زادت فيه نسب الطلاق، وأصبح المال همّ الكثيرين الأوحد، أصبحت الأعراس والأول قربانة عبارة عن حفلات “عرض عضلات”، وباع المسيحيون أرضهم وصرفوا المال على السيارات والسهر والسفر، وعاش بعض المجتمع المسيحي حالة من البذخ غير المسبوق، وفقد كثيرون القيم التي تربوا عليها، واصبح همهم المزايدة على مواقع التواصل، والمبارزة في “التفشيخ” ووصل الأمر بكثيرين منهم كما قلنا، إلى الدخول في عالم الفساد المالي والاخلاقي كي يبقوا على قيد الحياة، لأن الحياة بالنسبة اليهم هي “شوفة الحال” و”البريستيج”.
ما يحصل اليوم في لبنان لم يشهده لبنان من قبل حتى خلال الحرب الأهلية، بيروت مدمّرة، المصارف صادرت أموال الشعب، وكثيرون فقدوا الأمل بالبقاء.
أمام ما يجري، هناك من فضّل المقاومة في أرض الأجداد، فقبل الانفجار الضخم في بيروت، بدأ المسيحيون العودة إلى الجذور، إلى الأرض، فهي وحدها التي حمتهم طوال ألاف السنين، ولكن هناك من باع أرضه، فلم يبق له شيء، واستصلاح الأراضي ليس بالأمر السهل إطلاقاً، ومن صرف الملايين على الدراسة، لم يرى في استصلاح الاراضي فرصة مناسبة لكسب لقمة العيش.
المسيحيون يتحملون قسماً من الحالة السيئة التي وصلوا إليها، حروبهم المدمّرة، وطريقة عيشهم قبل الانهيار الاقتصادي، وطبعاً لا يمكن إغفال أنّ هناك من يخطّط بشكل واضح لتهجير المسيحيين من لبنان.
هل فعلاً سيهجر المسيحيون لبنان؟
البعض يرى الصورة سوداوية، ولكن في عمق الأزمات يتدخّل الله، فكلّ ما حصل وعلى الرغم من فظاعته، أعاد إلى المسيحيين رشدهم، عرف كثيرون منهم أنّ الحياة التي كانوا يعيشونها دفعتهم الى ما وصلوا إليه، وكانوا يتلهّون كـ “مرتا” في الأنجيل، “مرتا مرتا تهتمين بأمور كثيرة والمهم واحد”.
كثيرون عادوا إلى الأرض، كثيرون عادوا الى الصلاة، والله معلّم، في الوقت نفسه هو أب، فهل تعتقدون أنّ الله زرع القديسن في لبنان ليترك تلك الأرض؟ طبعاً لا.
الكنيسة أخذت المبادرة، ونرى رجال الدين المسيحيين وعلى رأسهم البطريرك الراعي يقومون بدورهم الريادي في الدفاع عن لبنان، وبالتالي عن الوجود المسيحي فيه. الكنيسة في مؤسساتها كافة تعمل كخلية نحل لمساعدة المجتمع الذي يرزح تحت ثقل الفقر واليأس والدمار.
المسيحيون الذين يفكّرون بالهجرة، وحتى لو كانوا كثر، سيتفاجأون أنّ ابواب الهجرة لن تفتح أمامهم بسهولة، فبلدان كثيرة تعاني اليوم من أزمة اقتصادية كبيرة بسبب كورونا، والدول الكبرى تعرف أنّ الهجرة ستكون مكلفة عليها، والحلّ يبقى في الحفاظ على لبنان كوطن الرسالة وليس وطن الصراعات فيعيش فيه أبناؤه بسلام ووئام.
حتى وولو كانت الصورة سوداوية، فالله لن يترك لبنان، ومسيحيو لبنان مرّ عليهم في السابق ضيقات اصعب من اليوم، وهذه الضيقة ستمرّ على الرغم من بشاعتها.
إذا سألتم الكثيرين الذين هم في الهجرة، قلوبهم اليوم مع لبنان، ويفضّلون أن يكونوا في لبنان لأنّ الهجرة سلبتهم ليس فقط وطنهم، بل قلوبهم ومشاعرهم وعاداتهم…وهم يحنّون إلى لبنان، يساعدون قدر المستطاع، ويرفعون الصلوات إلى الله ليحمي لبنان وشعبه.
لن يشعر المسيحيون في لبنان والشرق بالأمان إلّا إذا عادت المحبة إلى قلوبهم، متى احبوا بعضهم، لا قوة على هذه الأرض تقف في وجههم، والالتفاف نحو بكركي اليوم هو مفتاح الخلاص، وعلى المسيحيين أن يفتخروا بكنيستهم المقاومة التي لم تتركهم ولن تتركهم ابداً.
ومع يسوع نختم “لا تخافوا، أنا معكم”.