انطباعاتي عن المؤتمر القرباني الدولي 52 في بودابست – هنغاريا (5 – 12 أيلول 2021)
المطران رمزي كرمو 16-9-2021
عاشت الكنيسة المقدسة بين الفترة من 5 الى 12 أيلول 2021 حدثاً مهماً جداً على المستوى الروحي والديني، ألا وهو انعقاد المؤتمر الدولي الإفخارستي الثاني والخمسين في مدينة بودابست عاصمة هنغاريا.
بهذه المناسبة طلب مني غبطة أبينا البطريرك أن أرافقه الى هذا المؤتمر، حيث ألقى غبطته محاضرة قيِّمة قدَّم من خلالها للحاضرين شرحاً وافياً عن أوضاع العراق السياسية والاجتماعية والتحديات التي تواجهها الكنيسة والحلول اللازمة لعودة الأمن والسلام الى البلاد وتحسين ظروف المعيشة لكافة المواطنين. لقد قوبِلت المحاضرة بتصفيق حار من قبل المستمعين.
كما تخلل المؤتمر عدة شهادات حيّة قدَّمها أشخاص قادمون من مختلف أقطار العالم أكدوا فيها على أهمية القربان المقدس في حياتهم وتأثيره على مختلف التزاماتهم الإجتماعية والثقافية والسياسية في المجتمع الذي يعيشون فيه. ومن بين الشهادات التي جلبت انتباه الحاضرين شهادة رئيس جمهورية هنغاريا الذي عبَّر فيها عن إيمانه العميق بالله والتزامه بتعليم الكنيسة الاجتماعي في أداء مهامه كرئيس دولة.
ومن بين النشاطات الأخرى التي اُقيمت أثناء انعقاد المؤتمر الاحتفال اليومي بالقداس الإلهي الذي هو مصدر وقمّة حياتنا المسيحية ومركز وقلب ليتورجية الكنيسة كلها. تميز هذا الأحتفال بجو من الخشوع والتقوى والهدوء والتنظيم العالي الذي يبعث على الدهشة والإعجاب رغم حضور عشرات الآلاف من المؤمنين. لعل هذا الجو الخشوعي هو تعبير قوي عن الإيمان بحضور يسوع الحقيقي في سر القربان المقدس الذي قال: “أَنا الخبزُ الحَيُّ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء مَن يَأكُلْ مِن هذا الخُبزِ يَحيَا لِلأَبَد. والخُبزُ الَّذي سأُعْطيه أَنا هو جَسَدي أَبذِلُه لِيَحيا العالَم” (يوحنا 6/ 51).
لقد شهد المؤتمر أيضاً مسيرة كبيرة شارك فيها ما يقارب 50,000 شخص دامت ساعتين مشياً على الأقدام في شوارع العاصمة، تتوسطها السيارة التي تحمل البرشانة المقدسة معروضة في شعاع كبير دلالة على حضور يسوع الحي بيننا وهو يقودنا الى ينابيع الماء الحي الذي سال من جنبه المقدس وهو معلقاً على الصليب.
كذلك كان هناك لقاء خاص للصلاة من أجل الكنائس الشرقية شارك فيه كل من غبطة أبينا بطريرك الكلدان في العراق والعالم الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو، وبطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وبطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي حيث قدَّم كل واحد منهم صلاة خاصة مبتهلين الى الرب القدير أن يمنح السلام لبلدان الشرق الأوسط ويثبت الكنيسة في مسيرتها الرسولية والتبشيرية.
أما مسك الختام فكان القداس الاحتفالي الكبير الذي ترأسه قداسة البابا في ساحة الأبطال في قلب العاصمة بودابست وحضره أكثر من 100,000 شخص من بينهم قداسة بطريرك القسطنطينية المسكوني مار بارتيلماوس الأول.
يسرني أن أنقل الى القراء الكرام المقطع الأخير الذي أنهى به قداسة البابا عِظَته والتي استلهمها من شهادة بطرس للمسيح في قيصرية فيليبس: (أيها الأخوة والأخوات الأعزاء، لنسمح للقاء يسوع في الأفخارستيا أن يحولنا، ولا نستسلمن لإيمان من يعيش على الطقوس والتكرار ولننفتح على حداثة الاله المصلوب والقائم من بين الأموات، الخبز المكسور لكي يمنح الحياة للعالم، وسوف نكون في الفرح وسنحمل الفرح. ان هذا المؤتمر الافخارستي الدولي هو نقطة وصول مسيرة، ولكن ليكن بشكل خاص نقطة انطلاق. لأن السير خلف يسوع يدعونا لكي ننظر الى الأمام ونقبل نقطة تحول النعمة، ونعيد فينا كل يوم احياء هذا السؤال الذي يوجهه الرب كما في قيصرية فيليبس، لنا نحن تلاميذه: “ومن أنا، في قلوبكم أنتم”؟) .
إن ما جلب انتباهي في هذا المؤتمر هو، العدد الكبير من الشباب الذين ساهموا في إعداده وشاركوا فيه مشاركة فعالة، اذ كانت الابتسامة تعلو وجوههم تعبيراً عن فرحهم بانعقاد المؤتمر القرباني في بلدهم. ان حضور الشباب بهذه الكثافة والديناميكية إنما يدل على أن الكنيسة في هنغاريا هي كنيسة حية وشابة ومؤثرة في حياة البلد لا فقط على المستوى الديني والروحي بل أيضا على المستوى الثقافي والإجتماعي والسياسي. ان الشعب الهنغاري يعتز ويفتخر بجذوره المسيحية ويحاول أن يبقى أمينا عليها رغم الاضطهاد النازي والشيوعي الذي عرفه في القرن الماضي ورغم الاضطهاد الذي يعاني منه في القرن الحالي بسبب تحديات الثقافة المادية والإلحادية والحريات الإباحية التي تجتاح العالم بصورة عامة وأوروبا بصورة خاصة. لنُصلِّ لكيما يصمد هذا البلد أمام هذه التيارات الهدَّامة بقوة الإيمان والصلاة.
كما اُعلن بأن المؤتمر القرباني الدولي القادم سوف يلتئم في الأكوادور في أميركا اللاتينية سنة 2024.
في النهاية لا يسعني إلا ان أشكر الرب على نعمة المشاركة في هذا الحدث الكنسي الكبير الذي يذكرنا بعطش الإنسان إلى الله وليكون حافزاً لنزداد حباً ليسوع المسيح الحاضر في سر القربان المقدس ومشاركتنا في الذبيحة الإلهية بشوق عميق ورجاء كبير.
أرجو من الذين يقرأون هذه الأسطر أن يصلوا من أجلي كي أعيش ما تبقى لي من الحياة الزمنية بإيمان ورجاء ومحبة وشهادة الحياة. مع الشكر ولنبقَ متحدين بالصلاة.
إسطنبول 16 أيلول 2021