قصص من الماضي - عنب كرمليس
قبل اكثر من عشر سنوات كتبت في مواقعنا الالكترونية سلسلة من "قصص من الماضي" ويعجبني ان اعيد نشر قسما منها، ففي قراءتها متعة وابتسامة.
هذه واحدة من تلك القصص:
عنب كرمليس
انتهيت من بناء بيتنا في بغداد عام 1983 ولم يبق امامنا الا "التراب" للحديقة والزرع قبل ان ننتقل للسكن فيه . بما انني كرمشايا فان اول ما افكر في زرعه في الحديقة هو العنب والزيتون . في احدى زياراتي الى مزرعة الزعفرانية , في بغداد التي كنت ازورها عدة مرات في الاسبوع ضمن واجباتي الوظيفية باعتباري مهندس موظف في وزارة الزراعة, ذهبت الى اصدقائي مدير قسم الزيتون الذي اعطاني عددا من شتلات الزيتون , ومدير قسم الاعناب الدكتور زهير الذي قال: اي نوع من العنب تريد؟ فقلت : دكتور انا جئت اليك لترشدني على النوعيات الجيدة "للقمرية" الفاخرة (التي صنعها لي متي وميخائيل بيجو – اطال الله عمرهما –) فقال الدكتور زهير : ساعطيك شتلتين من نوع كرمليس 7! وشتلتين ... فقاطعته : قلت كرمليس 7 ؟ وهل هناك كرمليس 1 و 2 والى 7 ؟ وهل تعرف ما معنى كرمليس؟ فقال: اعتقد بانه مكان يشتهر بزراعة العنب . فقلت: دكتور زهير , دعني انا ادعو لك شايا ثانيا لنشرب الشاي سوية واقص عليك بالتفصيل عن كرمليس , فهي قريتي العزيزة التي ولدت وترعرعت فيها، ام العنب والطماطة والبصل والقطن , فتحدثنا طويلا حول عنب كرمليس , وكيف يسقونه وكافة العمليات الزراعية , والانواع الجيدة التي تنتج عندنا والتي ليس لها مثيل, مثل " زرك وسعداني وطايفي وببواثا وديز العنز" , وكيف نجلب العنب من المزارع قبل الغداء وننقعه بالماء ونتناوله بالغداء "خبز وعنب وجبن", وحجم العناقيد الكبيرة التي يصل وزن العنقود عددا من الكيلوات وغير ذلك , ولكنني قلت له بالم وحسرة بان "التطور الحضاري" فتك بعدد من بساتين العنب لتقلع شتلات العنب ليزرع بدلها البصل والطماطة التي تدر ربحا اكبر . اعطاني مشكورا عددا لا باس به من الشتلات التي اثمرت بعد سنتين ثمرا اوليا . اما في السنة الثالثة وما بعدها فكان العنب في "القمرية" كثيرا جدا بحيث يلفت انتباه كل من كان يمر بجانبها , حتى ان احدى النساء في احد الايام قرعت الجرس ظهرا لتقول: انا موظفة في تلك المدرسة القريبة منكم وامر من هنا يوميا و"استمتع" بمنظر هذا العنب الرائع في الذهاب صباحا وعند العودة ظهرا, فاعطيناها كمية وقلنا لها: كلما تحتاجين عنبا تعالي وخذي الى ان ينتهي الموسم لان الكمية "خير منالله" تكفي لنا ولكم وللجيران.
جرجيس يوسف الساعور / كندا / 2009