قبل اكثر من عشر سنوات كتبت في مواقعنا الالكترونية سلسلة من "قصص من الماضي" ويعجبني ان اعيد نشر قسم منها، ففي قراءتها متعة وابتسامة.
هذه واحدة من تلك القصص:
قصص من الماضي:الكهرباء والتلفون
(رحم الله الذين رحلوا واطال الله بعمر الاحياء الذين ترد اسماؤهم هنا)
في احدى زياراتي لكرملش عام 1973 وبعد الغداء ونحن نشرب الشاي قال لي والدي: لا ادري لماذا انت لا "تحب" الحكومة, الا ترى انه لدينا الان كهرباء؟ فقلت: مبدئيا انا موظف حكومي واتقاضى راتبا من الحكومة واعمل باخلاص كبير فاذن انا احب الحكومة , انما انا انتقد الحكومة لانها لا تسير بالاتجاه الصحيح لخدمة الشعب.فالكهرباء كان يفترض ان يكون موجودا في كرملش منذ العشرينات وليس السبعينات اي منذ 40 او 50 سنة , وكان يفترض ان تكون شبكة الماء الصافي في القرية وفي كل بيت , ولا تذهب اختي لنقل الماء من الساقية "بالحمار" في السبعينات!!! اصبحت اتذكر هذه المحادثة العادية التي كانت وما تزال تجري في كل عائلة كلما "تحقق مكسب " للقرية او البلد بالرغم من قلة المكاسب! واصبحت اتذكرها كلما ارى شيئا "متقدما" عند غيرنا وغير موجود في العراق .
في نهاية السبعينات من القرن الماضي وانا ضمن وفد عراقي فني في فرنسا وهولندا بمهمة تتعلق بالبيوت الزجاجية للزراعة ونحن في مدينة بعيدة عن باريس جاءت الموظفة الفرنسية وقالت : ليرد احدكم على التلفون من بغداد ورفعَت التلفون في غرفة الاجتماعات فتكلم رئيس الوفد مع احد المدراء العامين في الوزارة في بغداد , وبعدما انتهى من الكلام استمر الاجتماع ولكننا نحن العراقيين الاربعة – كما تراءى لي في حينه- كنا غارقين في التفكير ومئات علامات التعجب والاستفهام ترقص امامنا ومنها مثلا: كيف عرف الهولنديون اننا هنا في هذا المكان من فرنسا؟ كيف عرف المدير العام وهو في العراق رقم هذا الهاتف؟ لماذا نضطر للذهاب الى مزرعة الصويرة مثلا بعد فشلنا بالاتصال بها تلفونيا بعد محاولات لساعتين او اكثر ونحن على مسافة 40 كيلومترا فقط عن الصويرة؟ اما انا فقصتي مع التلفون في العراق طويلة ابتدات عندما قدمت "طلبا" لنصب تلفون في بيتي في الدورة في بغداد عام 1970 وبعد مرور اشهر وعدد من المراجعات بدون نتيجة اخذت كتاب تأييد من وزارة الزراعة التي اعمل فيها لتطلب من وزارة المواصلات "اعطاء طلبي الاولوية" كون التلفون في بيتي "يسرع الاتصال بي في حالات الطوارئ الحكومية" وبعد مرور اشهر اخرى بدون فائدة اخذت كتابا آخرا من نقابة المهندسين التي انا عضو فيها وبدون فائدة ايضا . وتمر الاشهر والسنين حتى قادتني "الصدفة" لالتقي احد زملاء الدراسة في دائرة التلفون في احدى مراجعاتي الكثيرة ليكون هو "شخص متنفذ" هناك ويخصص لي خط التلفون بعد اكثر من خمس سنوات من تقديمي الطلب!!! ان هذه الامور تبدو طبيعية بالنسبة لمن هم داخل العراق في تلك الفترة, ولكنها تبدو مضحكة وعجيبة لمن يعيشون في الدول الاوروبية وامريكا وكندا وغيرها من الدول التي وفرت لابنائها كل متطلبات الحياة وبدون اية معاناة .
نطلب من الرب ان يصل بلدنا العراق العظيم الى مصاف "الدول المتقدمة " ويسبقها حيث ان لدينا كل المقومات لان نكون الافضل"العقول , المال , الطموح".
المهندس جرجيس يوسف الساعور/كندا/ 2012