"سيّدة لبنان"… قصّة المزار المريمي حيث تعانق النفوس قلب أمّها
سيّدة لبنان-حريصا
سيّدة لبنان-حريصا
بقلم: غيتا ميشال مارون
بيروت, الأربعاء 4 مايو، 2022
في أحضان أجمل تلال بلاد الأرز، ارتفع مزار "سيّدة لبنان" حيث تعانق النفوس قلب أمّ فائض بالحبّ إذ وجدت فيها واحة صلاة وملاذًا للتائبين وعزاءً للحزانى.
في العام 1908، أبصر حلم البطريرك الياس الحويك النور عندما وُلِد المزار المريمي الذي تحوّل إلى صرح قداسة لا يميّز بين المسيحيين والمسلمين.
أصل كلمة "حريصا"
"حريصا" كلمة فينيقيّة وعبريّة، وتعني "المتن الحادّ" أي وصف طبيعة التلّة التي تقع عليها البلدة في حين أكد بعض المؤرّخين أن كلمة حريصا في اللغات الساميّة القديمة تعني "الرويس" في العربيّة أي التلّة المرتفعة المسنّنة.
تقع حريصا في محافظة جبل لبنان، وتتبع قضاء كسروان في جونيه، على مقربة من بكركي مقرّ البطريركيّة المارونيّة.
فكرة إنشاء مزار "سيّدة لبنان"
في اليوبيل الخمسيني لـ"عيد الحبل بلا دنس"، قرّر البطريرك الماروني الياس الحويك والقاصد الرسولي المطران كارلوس دوفال إنشاء أثر ديني، فوُلِدت فكرة بناء تمثال كبير للعذراء كي يبقى شاهدًا على تكريم اللبنانيين لمريم، وتقرّر إطلاق لقب "سيّدة لبنان" على المزار.
سيّدة لبنان-حريصا
المعبد والتمثال المريمي
اختير موقع يُدعى "الصخرة" ويقع على قمّة تلّة حريصا ليكون مكان تشييد المزار. وُضع حجر الأساس في تشرين الأوّل 1904، وكلّف البطريرك الحويك إبراهيم مخلوف بتنفيذ المشروع، فتمّ بناء المعبد وقاعدة التمثال في العام 1907.
بلغت تكلفة بناء المعبد وتشييد التمثال حوالى خمسين ألف فرنك ذهبي، جُمِعت معظمها من تبرّعات المؤمنين، ومن هبة سيّدة فرنسية تبرّعت بستّة عشر ألف فرنك. أمّا أرض المزار، فقدّمها مناصفةً البطريرك الماروني والقاصد الرسولي.
يكلّل المعبد تمثالٌ كبير لمريم والدة الإله وسيّدة الحبل بلا دنس، ويحتوي على مذبح حجري مربّع الشكل -بقربه تمثال العذراء أمّ النور، مصنوع من خشب الأرز- وعلى بيت قربان حُفرت عليه أرزة يتوسّطها صليب فوق عناقيد عنب، في حين تزيّنت زجاجيّات الشبابيك برموز القربان المقدّس، كالعنب والسنابل.
أمّا تمثال "سيّدة لبنان"، فقد صُنع من مادّة البرونز في أحد معامل مدينة ليون الفرنسيّة. طوله ثمانية أمتار ونصف المتر، قطره خمسة أمتار، ووزنه خمسة عشر طنًّا، وهو مؤلف من سبع قطع، ومطليّ باللون الأبيض، وبُنيت قاعدته على شكل جذع مخروطي من الحجر الطبيعي، بعلوّ عشرين مترًا. ويبلغ محيطه السفلي أربعة وستين مترًا، والعلوي اثني عشر مترًا. لبلوغ قمّته، بُني درج لولبيّ من مئة وأربع درجات.
بازيليك "سيّدة لبنان"
مع ازدياد أعداد المصلّين والزائرين لمزار "سيّدة لبنان"، ولا سيّما في أيّار، نشأت فكرة بناء كنيسة كبيرة تستوعب جموع المؤمنين الغفيرة، فوُضِع حجر أساس بازيليك "سيّدة لبنان" في 31 أيّار 1970، على يد البطريرك الماروني مار بولس بطرس المعوشي.
استُوحِيَ تصميم البازيليك من شكل الأرزة اللبنانيّة والسفينة الفينيقيّة، وتخطّت قدرتها الاستعابيّة 3500 شخص.
لقد غدا مزار "سيّدة لبنان" بمثابة قلب الوطن الحاضن لأبنائه، لأن والدة الإله ملجأ اللبنانيين في المحن ومعزّية الحزانى ونجمة الصبح المشعّة في بلادٍ جريحة تنتظر إشراقة القيامة.