شُكر وإمتنان
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
بادئ ذي بدء، أرفع الشكر لله الذي منحني نعمة خاصة لمواجهة الحملة الإعلامية العارية عن الصحة، التي اُطلقَت ضدي عِبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقد فنَّدتُ هذه الإفتراءات بما فيه الكفاية، وأدرَكَ الحقيقة من تابع الأحداث عن كَثَب.
بهذه المناسبة اُذَكّر بأن إطلاق التُهَم الباطلة،
وشراء الذمَم والمال الحرام ليست من شِيَم المؤمن الحقيقي،
مسيحياً كان أو مسلماً.
الكنيسة في حالة بيع الأملاك والاستبدال تطلب الرخصة من الدوائر الحكومية المعنية وليس من فلان أو علّان، وبحسب معايير دقيقة. الكنيسة الكلدانية لا تبيع الكنائس أو المعابد القديمة لأنها إرثها التاريخي، ولا تقبل الإملاءات ولا أن ترتشى أو تَرشي. إنها تقف دوماً الى جانب الحق ولا تُساير الناس في أخطائهم، لذا تُهاجَم. الكنيسة الكلدانية ذات التاريخ العريق بمؤسساتها، أسهمت بقوّتها الروحيّة والمعنويّة في الحفاظ على الُلحمة الوطنية، ودافعتْ عن العراق في المحافل الدولية (مجلس الأمن والاتحاد الاوروبي والمؤتمرات)؛ وفي سابقة متفرّدة حقّقَتْ زيارة البابا فرنسيس التاريخية الى العراق 5-8 آذار 2021)، وعزّزَت الحوار والتعاون المسيحي – الإسلامي وقيم الاخوّة والمواطنة، وساعدت وما تزال، الآف العائلات المحتاجة من البصرة الى زاخو، بمواد غذائية وأدوية وأغطية عِبر “أخويّة المحبّة” والكنائس مباشرةً، خصوصاً في أزمة التهجير عام 2014، والتي قام بها عناصر الدولة الإسلامية. على المستوى السياسي، الكنيسة لا تتحزب لجهة ما، بل تعمل على إنارة الضمائر حول الصالح العام وقضايا تَهُمُّ كرامة الإنسان. وهنا اذكّر بان الإنسان كان محور رسالة السيد المسيح (لوقا 4/ 18-19)، ومواقفه كانت صارمة في الدفاع عن حقوقه وكرامته، وهو محور خدمة الكنيسة، عليها أن تقوم بها بأمانة وألّا تتنازل عنها لكائن من كان. اني دعوتُ باستمرار الى استتباب السلام والأمان في العراق، وبناء دولة مدنية، دولة قانون وعدالة، دولة مواطَنة ومساواة، دولة تحترم حقوق الإنسان. وطالبتُ بمحاربة الفساد والسلاح المُنفَلت، وبانتخابات نزيهة، واحترام كوتا المكوّن المسيحي، وهكذا فَعَلتْ المرجعيات المسلمة في خُطَب الجمعة.
معالجة مطلوبة
ثمة مشكلة بُنيوية ثقافية وأخلاقية تعمَّقت منذ 2003، يتعيّن على الحكومة معالجتها من خلال مؤسساتها التربوية والتعليمية والإعلامية، والتدريب على قيَمِنا السائدة والمباديء الثابتة. إنها مسؤولية جماعية. هذه القيم إنْ انهارت تنهار حضارتُنا! مَن يفكر انه فوق القانون ويسمح لنفسه بتجاوزه، شخصاً كان أم حزباً، انما يعيقُ قيام دولة قانون ومحاربة الفساد!
المرجعيات الدينية المسيحية والمسلمة مرتبطة بالمجتمع العراقي، ولها مصداقية وطنية واضحة، وتمارس دوراً مؤثراً في الحفاظ على النسيج الوطني أمام من يريد تمزيقَهُ. لذا ينبغي التعاطي معها باحترام، وحمايتها من الإستهدافات المُغرِضة،
كما أشارت المادة 12 من الدستور العراقي
شكر وامتنان
أوَد في هذا البيان، أن أعرب عن شكري الجزيل وامتناني العميق إلى كافة الأشخاص، مسيحيين ومسلمين من داخل العراق وخارجه، الذين أعلنوا عن وقوفهم وتضامنهم مع الكنيسة الكلدانية، وذلك من خلال:
مكالماتهم، أخص بالذكر السيد مسرور بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان، والدكتور أياد علاوي رئيس الوزراء العراقي الأسبق، وتيار الحكمة.
زياراتهم التضامنية، السيد قاسم الأعرجي مستشار الأمن القومي والسفيرة الأمريكية التي زارتنا مرتين، وقد حاولا عن كثَب حلّ المشكلة! كذلك زيارة أحد عشر سفيراً من الدول الغربية، والسفيرة صفيّة السهيل وقرينها الدكتور بختيار أمين، وأصحاب المقامات أفراداً وجماعات.
رسائلهم وبياناتهم ومقالاتهم، التي تسلَّمتُها من أساقفة وكهنة ورهبان وراهبات، ومن التنظيمات الكنسية والثقافية والحزبية، فضلاً عن شيوخ العرب ومنظمات المجتمع المدني والديمقراطي، التي استنكرت هذا الهجوم. كما ألتفتُ بالشكر إلى كادر البطريركية وهيئة المستشارين. وأخيراً وليس آخراً، أوَد أن أشكر هنا وسائل الإعلام الرصينة التي رصدت الأحداث بمهنية.
الشكر الموصول للذين رفعوا صلاتهم من أجل الكنيسة. لن انسى جميلَهم. لقد مدّتني صلاتهم والرسائل الكثيرة التي استلمتها بالطاقة والرجاء. أتمنى للجميع دوام الصحة والسلامة والسعادة.
“وخرج من المرِّ حلوٌ” (سفر القضاة 14/ 14)
الأيام التي مرَّت كانت مُتعِبة، لكن ثقتي بالرب كانت قويّة وراِسخة بأنَّ النور أقوى من الظلمة. بالرغم من الألم، فقد كان لهذه الهجمة نتائج إيجابية منها:
- أظهرتْ قوَّة الكنيسة في مجابهة المزاعم الكاذبة والتشويه والتشكيك بمصداقيتها.
- وحَّدَتْ المسيحيين لا سيما الكلدان، من خلال صلاتهم ومواقفهم، ولم تقسّمهم كما روَّج البعض، وكأن المشكلة مسيحية مسيحية. ما حصل هو تطاول على المرجعيّة الدينية ومن خلالها على المكوّن المسيحي. أتمنى ان تنطلق جميع الكنائس باستقلالية تامة وقوة جديدة وروحية جديدة.
- خلَقَتْ وعياً عند المسيحيين بدورهم وحقوقهم. وخيرُ دليلٍ على ذلك، وقفتهم التضامنية في ساحة التحرير مساء الجمعة 13 أيار 2023، رافعين رأسهم وصوتهم للمطالبة بحماية حقوقهم وإدانة الهجمة. أتمنى ان يدركوا أهمية التصويت في الانتخابات القادمة لمن هو الأكثر إقتداراً وصدقاً في تمثيلهم، والاسهام في تحقيق المواطنة والمجتمع المدني. بهذه المناسبة أتوجه بالشكر العميق للقوات الأمنية التي تعاملتْ بمهنية عالية.
- أكدتْ أن العيش المشترك ما يزال يسري في دماء العراقيين من خلال تضامن المواطنين الشرفاء على تنوّع دياناتهم وثقافاتهم. أدعوهم ليجنّدوا كل الطاقات من أجل تحقيق ذلك.
- كشفتْ معادن الناس: الصادقون، الأوفياء/ المنتقدون عديمو الضمير المدفوع أجرهم/ المتفرجون اللاأباليون…
في الختام، أرفض التسامح السَلبي، وأتمسَّك بالمغفرة – الاهتداء. عندما يعتذرون أو أن لزم الأمر اللجوء الى القضاء، فنحن جاهزون (لقد أعدَّت البطريركية ملفاً كاملاً لتفنيد هذه المزاعم واحداً واحداً بشواهد موثَّقة) وحال ظهور الحقيقة، سوف أغفر لهم من كل قلبي كما فعل الرب يسوع مع صالبيه من دون اللقاء بهم. اني في حياتي الكهنوتية، لم أقبَل الخطأ أبداً، ولم أرضخ له أو اُساوم على حساب الحقيقة، لكني لم أنتقم ولم أحمل حقداً ولم أتمنَّ سوءاً لأحد أبداً حتى للمختلفين معي، بل صلّيتُ من أجلهم.
عسى التوبة تغيّر أنفسهم.
أجل أن العراق بخير لأن فيه أشخاصاً أكابِر خيّرون! ورجائي ان تكبر قوة الخير هذه
شكراً على وقوفكم مع الحق