المونسـنيور بيوس قاشا
من قلبي ... بخديدا بلدتي
(القسم الثالث والأخير)
المونسنيور د. بيوس قاشا
في البدء...
مرة أخرى أستميحكم عذراً حيث كنتُ قد اعتذرتُ منكم ومن القرّاء الكرام جميعاً في رسالتي الأولى إلى أبناء بخديدا الأحبة التي كانت تحت عنوان "بخديدا... أمّ الشهداء".
وكنتُ قد أدرجتُ المقال في عدة مواقع الكترونية في الثاني من شباط (فبراير) من عام 2019 ومنها مواقع أبونا وعشتار وعنكاوا، وها أنا اليوم أمامكم جميعاً ومرة أخرى، واضعاً مقالي هذا وكتاباتي تحت أنظاركم يا أبناء بخديدا الغالية – بلدتي العزيزة – وعبر مسيرتي الكهنوتية والحياتية، ولكم كل الحق بل الحقيقة بأكملها أن تقولوا ما شئتم، وما تفكر به ضمائركم، وما يطيب لكم من أوصاف، وأن تكتبوا ما هو مبتغاكم، فإنني أؤمن بأفكاركم وآرائكم وأتمنى أن أراكم كلمة وحقيقة في هذه الحياة المتعَبَة كي لا تكونوا سلعة رخيصة كما يريدونها... ليس إلا!.
الحقوق ... والأرض
من حقكم أن تطالبوا بحقوقكم ولكن أقول أنتم غير متواجدين في أرضكم فحتى الدستور لفظكم لأنكم لستم أوفياء لأرضكم ووطنكم، فقد قلعتم جذوركم. فما أطلبه أن تكونوا لسامعيكم ولناظريكم رسالةً وطريقاً ومثالاً وعملاً وحياةً بعودتكم واحتضان أرضكم ووطنكم بل ومدينتكم. فلا تتركوا الوحيد برحيلكم، والمريض والفقير واليتيم والشيخ بهجرتكم، وهم يصيحون وينادون عليكم "أغيثونا" فالقضية لا تُحَلّ بالرحيل والهزيمة ولكن تُحلّ بالصبر والعمل والحكمة والتعايش والأخوّة والحوار، لأن الوطن أنتم وحمايته مسؤوليتكم ومسؤولية شعبكم وأنتم خُلقتم ليس لنفوسكم أو لمآربكم بل للآخرين والمتعبين والعميان والعرجان (لو21:14) فاعملوا من أجل خلاصكم ولغيركم. اعملوا على تراصف صفوفكم، فالمرحلة خطيرة والزمن ليس زمن العويل والبكاء والآهات بل زمن الشجاعة والشهادة والحكمة وقول الحقيقة وإن كنتم أحياناً تعيشون بالمذلّة والهوان بسبب كباركم وصغاركم الذين لا يفكرون إلا بمصالحهم دون خجل أو حياء، ولا يفتشون إلا عن حقيقتهم وإن كانت مشيّعة وأن تكونوا لهم مطيعين فهم يعملون من أجل ضياع حقيقتكم. وأصبحتم عبيداً لدستور شغله هدم كينونتكم وقلع إيمانكم من صدوركم، ويعملون من أجل أن تنسوا أنكم أصلاء لهذا البلد وأصيلين وأنتم أهل مدينتكم ولا غيركم. فلا تقاوموهم بروح التعصب والحقد والكراهية بل بروح الحكمة والمحبة والأخوّة والحوار ومع جميع الشعوب والمكونات المختلفين عنكم وعن إيمانكم.
أمنيتي ... والخاتمة
عفواً، كونوا حكماء وتكلموا في الدفاع عن حقوقكم وقولوا ما هي أسباب هجرتكم وبيعكم لمقتنياتكم ولأرضكم وما سبب ترككم وطنكم. فلا تخافوا، فالمستقبل لكم ولأجيالكم، وبخديدا هي في رقابكم جميعاً فلا تجعلوا أنفسكم تبكي على أطلالها التي أنتم صنعتموها برحيلكم. فارفعوا عنكم التفرقة وحبّ الذات فأنتم كلكم واحد، ولا تسمحوا لأحد أن يعمل في ظلام الليل من أجل كسب مودّتكم. فعيشوا في بخديدا حياتكم ووجودكم، وفيها ادفنوا موتاكم وليس في مكان آخر، واذكروهم في صلاتكم فقد عملوا من أجلكم ومن أجل مدينتكم وإن كان زمانهم متخلّفاً وبائساً "فقد حانت ساعتكم لتفيقوا من نومكم" (رو11:13) فاليوم تحتاج بخديدا إلى رجولتكم وشجاعتكم وصمتكم وهدوئكم، ولا تحتاج إلى صراخكم وخوفكم. فانتبهوا كي لا تحملوا وزر خطيئة آبائكم بسبب خلافاتكم وصراعاتكم ومصالحكم وحديث مقابلاتكم، بل اعملوا جميعاً لبنائكم المشترك (رو3:15) ومسالمين مع الجميع (رو4:12). في ظلمة عالمنا حيث سواد الحقد والكراهية، وحيث نور المحبة والمسامحة والغفران قد حُجب بغيوم الطمع والنميمة والخبث، فأنتم مدعوون أن لا تستسلموا أمام الصعوبات بل عليكم أن تكونوا جريئين على مثال بولس الرسول.
وأقول خاتماً، ولا أريد أن أختم ففي جعبتي الكثير من الكلام والكلمات فأحياناً الصمت هو أبلغ كلام، فانتبهوا كي لا تخسروا أرضكم ووطنكم ومنازلكم من أجل أن تربحوا دنياكم. فاسهروا الليالي كي لا يأتي قطيع الذئاب وسرب الثعالب فيفرّقكم ويخطف أرضكم ووطنكم (متى15:7). كونوا حرّاساً أمناء يسهرون حتى في الليالي المظلمة، ولا تتصارعوا بينكم، وتطلّعوا حواليكم فالأنظار تسلب سهلكم خطوة خطوة وتعمل من أجل أن ترحلوا وتتركوا دياركم لها. ليكن كبيركم خادماً لكم (متى11:23) وكفاكم طرق الأبواب وتهيئة بطاقات السفر فأنتم في بلدكم أفضل من عصافير كثيرة (متى31:10) وأبوكم واحد هو الآب السماوي (متى8:23) وأقولها: مدينتكم ستبقى وتتنفس وتحيا بوجودكم إذا أنتم أردتم ذلك وإلا فاقرأوا السلام على وجودكم وأرضكم ومدينتكم وكنيستكم، فانتبهوا إلى ذلك. وأنا لستُ إلا أخاً بينكم وخادماً أميناً ووفياً، فمدينتكم مدينتي وأرضكم أرضي ووطنكم وطني وكنيستكم كنيستي، وكلنا في هذا الوطن نحيا ونعيش ونموت... ودمتم مع محبتي واحترامي.