الإيمان خبرة حياتية حيّة،
وليس عرفاً تقليديّاً شكليّاً، ولا ثوباً نرتديه!
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
إعلام البطريركية - 11-9-2023
أنه من الأهمية بمكان أن يُعالج التعليم الديني بأسلوبٍ معرفيٍّ حديث وحقيقي ملائم، من أجل تعزيز المعرفة والوعي بحياة إيمانية وأخلاقيّة صادقة وفاضلة، وتبديد الأفكار السطحية المتوارثة عِبر العرف والتقليد، والتفاسير الخاطئة التي تشوّه الدين، خصوصاً إن الغالبية العظمى من الناس غير مهتمة بالفكر والعمق وإنما منشغلة بما تفجّره “السوشيال ميديا” من أخبار ومعلومات، من دون تحليل ومناقشة. هَمّهم المعيشة والصحة أكثر من شيء آخر!
ينبغي التمييز بين الإيمان والدين
الإيمان شيء والديانة شيء آخر. الإيمان عطيّة عظيمة أخّاذة، يركّز من خلالها المؤمن على الله، حتى يكون حاضراً في حياته بشكل واعٍ وواثق. الإيمان توقٌ وشغفٌ مثل الحب. انه علاقة يضع فيها المؤمن نفسه تحت رعاية الله، ويسعى للعيش بمقتضى مشيئته، شاكراً وساجداً، فينال: “نعمةً فوق نعمة” (يوحنا 1/ 16). الإيمان الواعي بالله يُغيّر سلوك الناس ويُغيّر المجتمع !هذا الإيمان الباطني والروحي يجب أن يصبح منظوراً ومدرَكاً. الإيمان أمر شخصي يختاره البشر أفراداً أو جماعات بحرية (الحرية مقدسة) “ها اني وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ، إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ..” (الرؤيا 3/ 20)، ولا يُفرَض بالإكراه والقوة ولا ينبغي ان يعاقَب من يريد تغيير دينه أو معتقده (الردة)!
بينما الدين يركّز على الإنسان والتطبيق العملي لإتمام مخطط الخلاص الذي يشمل الإنسان بكليته: “لقد أتيتُ لكي تكون الحياة للناس وتفيض” (يوحنا 10/ 10). والديانة تعبّر عن هذه العلاقة بممارسات طقسية وقوانين واشاعة قيَم وتعليمات بحسب الزمان والناس، وليست كما يعتقد بعض المتطرفين هي من الازل والى الابد.
خبرة الأجداد عِبَرٌ وليست قيوداً.
الإيمان والدين يتطلبان بحثاً مستمراً من التفكير والتحليل لكي يدرك المؤمن بشكل أفضل الكلمات والأفعال التي يعبّر عنها الكتاب المقدس والدين. أما اللاهوت، فهو تفسير للعقيدة باسلوب فلسفي نظري مفهوم.
أسوق هذا المثل، كان يعمل معظم المسيحيين الأوائل في الزراعة والرعي، يصومون من الشروق الى الغروب، اي يكتفون بوجبة واحدة مع الانقطاع عن الزفرين وكان يسمون هذه الوجبة الإشباع (الإفطار) ܣܘܒܥܐ، لكن اليوم تغيَّر كل شيء فعلى الإنسان أن يشتغل يومياً حتى يعيش ويحافظ على الاقتصاد العام والخدمات، فقامت الكنيسة بتنظيم الصوم من العشاء الى الظهر، أي ألغت وجبة الصباح “الترويقة”، وأبقت على العشاء والغذاء وشدَّدت على هدف الصوم: التوبة وترويض الذات (الغرائز) ومساعدة المحتاجين.
المعرفة تتغير، تتقدم وترتقي، بينما الإيمان يبقى في “حركة الحب” الذي هو التعبير الحقيقي عنه.. المعرفة تحفِّز على الإيمان وتُعمِّق الحب. وبقدر ما يعرف الإنسان الشخص، أي بقدر ما يكتشفه على حقيقته (جوهره) بقدر ذلك سوف يحبّه اكثر فاكثر.
تنتقل هذه العلاقة الى داخل الإنسان، الى القلب، وتنعكس على الخارج. من خلال هذا الإيمان الواعي سيكون قادراً على نشر السلام والاُخوّة والمحبة والطيبة والفرح والرجاء في مجتمعه.
استخدام الدين معزولاً عن الإيمان يحوّله الى نوع من الإيديولوجيا الرهيبة، وتديّن كاذب! ولقد اختبر البشر خلال التاريخ القديم والمعاصر كيف اُستُغِلَّ الدين كايديولوجيا لخلق تيارات عقائدية متطرفة، وصراعات وإقصاء واضطهاد، أو ستراً لبعض رجال الدين من أجل المصالح، من هنا كان صراخ التشرينيين في ساحة التحرير: (بإسم الدين باقُونا أي سرقونا). الاصطدام بين الأديان يشوّه الدين ويدمّر السلام والعيش المشترك. هذا الأمر يجب معالجته جذرياً من أجل خلق أجيال متحضرة منفتحة تقبل الأخر وتتعايش بسلام واحترام وتناغم.
من المؤكد أن للإيمان بُعداً اجتماعيّاً يتجلى في مواجهة المؤمنين (كأفراد وجماعة) التحديات والتغييرات المتسارعة والعلاقات. وان يعَوا دورهم في الكنيسة ورسالتهم في العالم حتى يغدوا كما يقول الإنجيل ملحاً في الطعام ونوراً في الظلمة (متى 5/ 13 و14)، حتى لو اقتضى الأمر ان يخاطروا بوجودهم من أجل إيمانهم ورسالتهم.
كل شيء متوقف على الايمان بان الله يفعل اليوم من خلالنا ما فعله من خلال يسوع.