بغديدا... بيت الله المشرعة أبوابه على المحبّة والسلام
تمثال السيّدة العذراء فوق برج كنيسة الطاهرة الكبرى في بغديدا، العراق | مصدر الصورة: ACN
بقلم: جورجينا بهنام حبابه
بغديدا, الاثنين 23 أكتوبر، 2023
«بغديدا ما ننطيها... إيشوع ومريم ساكن بيها»، لطالما تردّدت هذه الأهزوجة على ألسنة أهالي بلدة بغديدا العراقية. ربما لكثرة التحديّات التي واجهت أهلها في اجتهادهم للحفاظ عليها وعلى أصالتها المسيحيّة السريانية.
اسمها السرياني «بغديدا» وأرجح الآراء في أصل التسمية يعيدها إلى «بيث خديدا» وتعني «بيت الله» أو إلى «بيث ديدا» أي «بيت الحدأة» وهو طائر أسود. وربما استُنبِط من معناه اسمُها الآخر «قره قوش» ويعني بالتركيّة «الطائر الأسود» بحسب الباحث نمرود قاشا.
تقع بغديدا، وهي مركز قضاء الحمدانيّة، في محافظة نينوى، شمالي العراق. يتكلّم أهلها «السورث» وهي إحدى اللهجات الآراميّة الحديثة. ولا تزال تضمّ أحد أكبر التجمعات المسيحية في البلاد. يُرجع المؤرخ إبراهيم فاضل الناصري أصول أُسر عدّة فيها إلى سريان «تكريت» مركز محافظة صلاح الدين، وسط العراق، التي كانت «تُعدّ العاصمة الدينيّة للسريان ومحطّ الكرسي الرئاسي للمفريان». هجر سريان تكريت ديارهم لما لاقوه من «تعسّف وطغيان بل اضطهاد» حتى خلت منهم تقريبًا مطلع القرن الثاني عشر. وكانت وجهة بعضهم بلدات سهل نينوى «وللتاريخ، كان حلول أولى قوافلهم في بلدة قره قوش» بحسب الناصري.
واجه البغديديّون تحديات جمّة على مر التاريخ. فقد جاهدوا لاستعادة ملكيتهم لعقار بلدتهم التي أهداها السلطان العثماني محمود الأول إلى والي الموصل حسين باشا الجليلي عام 1743، مع عقارها وأملاكها، بحسب قاشا. لينجحوا عام 1954 في حسم معركتهم القضائيّة ضد آل الجليلي، التي دامت قرابة مئتي عام، لصالح أصحاب الحقّ، سكان البلدة الأصليّين، فأطلقوا تلك الأهزوجة.
بحلول السادس من أغسطس/آب 2014 سقطت بغديدا في أيدي تنظيم داعش الإرهابي. وخلت من أهلها الذين اضطروا إلى الجلاء عنها قسرًا بحثًا عن ملاذ آمن، مؤثرين الحفاظ على إيمانهم وإن خسروا ممتلكاتهم كلّها. ففرغت البيوت والكنائس وخلت هذه المناطق التاريخية من سكانها الأصليّين.
كنيسة الطاهرة في بغديدا العراقيّة قبل ترميمها بعد الدمار الذي ألحقه بها «داعش». مصدر الصورة: باسكال ماغيسيان/ميزوبوتاميا
ومع تحرير مناطقهم عام 2017، عاد مسيحيّو بغديدا وقرى وبلدات سهل نينوى إلى مناطقهم التاريخيّة بعد ثلاث سنوات من الاغتراب والتهجير في الوطن.
وبحسب أمانة سرّ مطرانية السريان الكاثوليك، كان تعداد مؤمنيها قبل احتلال تنظيم داعش 55 ألفًا، وقد تقلّص اليوم إلى 27 ألفًا فقط. فيما تقلّص عدد المسيحيّين فيها من نحو 60 ألفًا قبل 2014 إلى قرابة 30 ألفًا اليوم.
عمّر العائدون الكنائس والبيوت وما زالوا يبنون ويضجّون أملًا وفرحًا حتى داهمتهم فاجعة عرس بغديدا لتطرح كثيرًا من التساؤلات حول المستقبل.