الدعوات الكهنوتية في العراق الى اينQuo vadis؟
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
الدعواتُ الكهنوتيّة أساسيّة في الكنيسة لديمومة رسالتها وخدمتها. والرسامات الكهنوتية وقت نعمة مؤثّر جداً، للكاهن وللجماعة الكنسية. والله يمنح القوة والنعمة، والنجاح لمن يسعى لها.
المسيح هو حجر الزاوية في حياة الكاهن، لذا يوم رسامته، بعد مسح يديه، يُعطيه الاسقف الانجيل ليحمله ويكرز به. توجد في كل كاهن بذرة قداسة، وعليه أن يعيشها متمثلاً بالمسيح، أكثر من أي شيء آخر، لكن للأسف الواقع أبعد ما يكون عن ذلك.
كاهن اليوم يبحث عن البدائل ناسياً قول يسوع: “مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْينكر نَفْسَه ويَحمِلْ صَليبَه ويَتبعْني” (مرقس 8/ 34). ليعلم الكاهن أن سرّ قيامته هو في سرّ قيامة المسيح، أي عندما يتخلى عن ذاته بحريّة عميقة ويعيش هذا الرجاء.
تواضع الكاهن الرصين وطاعته العميقة “هاءنذا جئت لأفعَلَ مشيئتِكَ” (عبرانيين 10/ 5-7)، وفرحه المشعّ يجلب الدعوات!
يقول البابا فرنسيس:
“الكاهن ليس رجل أعمال
كونوا كهنة للشعب، لا موظفين
لا تبحثوا عن المناصب
ولا تركضوا وراء غرور المال
فالكهنوت ليس مهنة بل خدمة.
رعاة يسيرون مع شعب الله.
على الكهنة أن يكونوا رعاة
لأن هذا ما يريده الرب منهم
أي أن يكونوا رعاة لشعب الله المؤمن
(في اليوم العالميّ الثّامن والخمسين للصّلاة من أجل الدّعوات 25 نيسان 2024)
أسباب تراجع الدعوات
كنيستنا الكلدانية في العراق وفي بلدان الانتشار تشكو اليوم من “نقص” في الدعوات الكهنوتية والرهبانية. والاسباب عديدة منها:
صخب التحولات الثقافية والاجتماعية، في عصر التقدم التكنولوجي، وتاثير وسائل التواصل الاجتماعي في نشر روح العالم، بدل التشجيع على تجسيد القيم الروحية والأخلاقية والثوابت الاجتماعية.
مثال الكاهن: سلوك بعض الكهنة ومواقفهم أحياناً مشككة وهي أبعد ما تكون منسجمة مع روحانية الكهنوت والوفاء للكنيسة حتى عندما يحتفلون بالاسرار وخصوصاً بالقداس الإلهي الذي يعتبر فن الاحتفال به بمثابة تعليم أسراري sacramental.
غياب “الحياة الجماعية” للكهنة التي هي دعم حقيقي للحياة الشخصية وللرسالة المشتركة، وتنقذهم من الوحدانية والعزلة! أتذكر كنا أربعة أو خمسة كهنة نعيش مع المطران في الموصل ونتقاسم كل شيء ونتعلم الكثير!
نزيف الهجرة، هاجر اكثر من ثلثي المسيحيين الى الغرب، ولحق بهم ما يقارب نصف كهنتنا في العراق لخدمتهم.
انخفاض عدد الولادات، إذ أن معظم العائلات اليوم تميل للاكتفاء بولد واحد او إثنين، بسبب تردّي الوضع الاقتصادي، والحروب المتكررة. أتذكر ما قالته سيدة في الحرب العراقية – الإيرانية: اننا لا نريد ان ننجب اولادا يموتون في هذه الحروب العبثية.
سابقا كان معدل الولادات 7-8 وفي القرى أكثر. كذلك اشير الى ظاهرة حالية مقلقة للعائلة والكنيسة هي عزوف الشباب عن الزواج!
عدم الاستقرار النفسي للشباب وسط هذه الظروف الصعبة في الداخل، وعدم التمكن في الاندماج في بلدان الانتشار. لقد ظهرت بعض الدعوات في الولايات المتحدة الامريكية وكندا وفرنسا وأماكن أخرى.
عدم التشجيع على الدخول في المعاهد الكهنوتية، بسبب تعدد النشاطات وانخراط الشباب في المعاهد التثقيفية ومشاركتهم في حياة الرعية، فلا يرون الحاجة الىى الكهنوت، بما انهم يضحّون من أجل الكنيسة بفرح!
أهمية تشجيع الدعوات
اشير هنا الى أهمية متابعة الاسقف لكهنته واكليريكييه واحتضانه لهم. أذكر ألم بعض الكهنة على يد مسؤولي الكنيسة (تصفية حسابات). يجب أن يكون لدى الأسقف قلب الأب الشفاف. هذا القلب يجب أن يكون المعيار الأول للرسامة الأسقفية.
لا تقل أهمية مرافقة أبناء الرعية لكاهنهم، صغاراً وكباراً، والعمل معه بشكل وثيق، وإظهار محبتهم وامتنانهم للخدمة الكهنوتية. صحيحٌ ان دعوة المسيح للكهنوت هي دعوة شخصية، لكن الجماعة مسؤولة عن الدعوات ومشاركتها أساسية، لان فيها تولد الدعوات وتنمو.
أقترح اخضاع طلاب الكهنوت الى فحص من قِبل عالم نفساني!!
أخيراً اتقدم بالشكر والامتنان الى كل الكهنة الملتزمين بكهنوتهم باخلاصٍ وتفانٍ الى النهاية، ولكل المؤمنين على محبتهم لكهنتهم، والوقوف معهم في الحلو والمر. آمل ان تاتي جهودهم بثمر كثير (الدعوات).
أرفع عيناي الى الحقول كما فعل يسوع، لأنها قد ابيضت للحصاد، وتحتاج الى الحصّادين (متى 9/ 37).