كلمة عابرة جدا عن الوحدة المسيحية
شمعون كوسا
عنكاوا.كوم - 10-2-2023
منذ اسبوعين ونحن نسمع ، نرى ، ونقرأ يوميا عن صلوات تُرفع من اجل الوحدة المسيحية. كلّ صلاة ترافقها صور لمجاميع من طوائف وكنائس اتفقت على تقديم ابتهالات حارّة واطلاق تراتيل منوعة من اجل تحقيق الوحدة المسيحية. وتقارير اخرى تُعدّد اسماء الرؤساء الروحانيين الذين اقبلوا على هذه الصلاة ، وكل رئيس يبدو بحلته المزركشة المميزة ، ويبدو الكل منشرحين بعد الصلاة ، لان واجبهم انتهى.
قبل ستّ او سبع سنوات كنت قد كتبت مقالا بعنوان (صرخة غضب في وجه كنيسة متشرذمة) حول وحدة الكنائس . أراني لحدّ هذا اليوم في نفس سورة الغضب لان الصلاة من اجل الوحدة المسيحية اضحت فعلا مناسبة فولكلورية او ذكرى سنوية لا بد من احيائها بصلواتها وابتهالاتها وتضرعاتها وتراتيلها ، والانتهاء من المراسيم بصورة جماعية وابتسامة عريضة لان الواجب قد اكمل. وقد تعقب الصلاة أحيانا وجبة غداء او عشاء كعلامة رضى مما تمّ.
ينسى المجتمعون بأن ايّ شئ لم يتمّ ، ويتناسون بان موضوع تجمّعهم الرئيسي الاصلي والحقيقي وهدفهم كان السعي بجدّ للتخلص من حالة الشرذمة هذه التي ادت الى التباعد وحتى المعاداة بين الاخوة . تناسوا بانهم لم يكونوا قد اجتمعوا للصلاة فحسب ، ولكن وبصورة رئيسية للتحدث عن التقارب وازالة الفرقة وبأسرع وقت .
انا اطلق على هذا الاسبوع اسم اسبوع الانانية لكي لا اقول النفاق. لان كل مسؤول قادم لتمتمة ما يجب عليه تمتمته من صلاة ، وهو محتفظ في سر نفسه وبقناعة كاملة بان الوحدة فكرة بعيدة وشبه مستحيلة ، وعلى اية حال ، بعضهم يقول ، اذا كان لا بدّ من مبادرة او حراك ، فعلى الاخرين القيام بذلك واللحاق بيّ ، لاني الوحيد الذي امتلك ناصية الحقيقية !!!
أنا أرى المسيح يتوجّه بالكلام لجميع هؤلاء بالقول :
يا اخوتي ماذا جرى لكم ؟ لماذا اتيتم تبتهلون كي يوحدكم الله ويجمعكم ؟ الم تفكروا يوما بانكم ترددون نفس هذه الصلاة هذه منذ ما يقارب سبعة عشر قرنا ، ولم تتوصلوا لحدّ اليوم الى أية استجابة او نتيجة ؟ هل فكرتم لماذا ؟ هل انتم خائفون من التفكير بان مسؤولية تحقيق الوحدة تقع على عاتقكم انتم فقط، وبانكم ، لتحقيق الهدف هذا، لا تحتاجون لأكثر من العودة الى المنبع ، كي تروا الامر البسيط الذي يعوزكم؟
ماذا كانت رسالتي لكم ؟ اوصيتكم بان تحبّوا بعضكم بعضا ،وهذا ليس بيتا شعريا او كلمة فقدت معناها ، اوصيتكم بالتجرّد والتواضع والبساطة ، وقلت لكم من كان فيكم سيدا فليصبح خادما . ألم اغسل اقدامكم ومن ثمّ قبلتها ؟ الم ادعوكم للتسامح والغفران ، الم اقل لكم لا تدينوا لئلاّ تُدانوا ؟ لماذ تخاصمتم ؟ طلبتُ منكم الاكتفاء بالمحبة ، لاني انا لم افعل اكثر من ذلك عندما لبست ثيابكم وتعذبت وذهبت حدّ الموت صلبا حبّا بكم . أمّا انتم ، فانتهيتم بالاختلاف لانكم ذهبتم بعيدا في التنظير والتحليل في مواضيع لم اتطرق اليها .
كان يكفيكم التوقف عند تعليمي ، والاقتداء بما يقوم به رعاياكم البسطاء من خلال ايمانهم وحبّهم الحقيقي . كان عليكم التطلع الى صورتي الحقيقية التي لم تتغير لان كلامي لم يتغير . اذا كنتم صادقين، آمنوا فقط بالحب الذي اتيت من اجله وانسوا كل شئ ، سترون بعد ذلك قد تحققت وحدتكم ، وإلا اذهبوا عنّي .
انا لا احتاج الى تبحركم العلمي الزائد ، لا احتاج الى شهاداتكم العالية ولا الى ألقابكم العلمية . انا احتاج الى تواضعكم ، الى تجردكم وتفانيكم وايمانكم والنظر الى كل كائن بعين المحبة لا سيما اخوتكم ؟ هل يا ترى وجدتم في شخصي موضوعا دسما لتحقيق مصالحكم الخاصة التي ادّت الى تجاهل بعضكم ومن ثمّ الافتراق ؟ هل اتيتم فعلا لأجلي او لأجل انفسكم ومصالحكم وامتيازاتكم التي ارى بانها تضخمت واحتلت مساحات واسعة جدا ؟ الحبّ الذي دعوت اليه كان مناسبة لكم لتبقوا موّحدين بينكم ، ومن خلالكم ينعم العالم كله بالسلام والمحبة ، ولكن !!!
بعد هذا الكلام ترك السامعون الساحة بصمت عميق لقناعتهم بان جوابهم كان سيدينهم مهما كان فحواه.
لا اوجه هذه السطور للمعنيين او الذين يهمهم الامر ، لانهم يعتقدون فعلا ان الامر لا يهمهم ، ومن أنا اصلا كي اجلب انتباه المتبحرين بالعلم وبخفايا الدين ، والذين باعتقادي كان لا يعوزهم سوى قليل من التواضع والكثير من المحبة ّ!!
طبعا انا لا اقصد هنا شخصا ابدا ، ولكنها كانت صرخة غضب اخرى انتابتني لم أقوَ على كبتها ،
ولربما تكون الاخيرة.