رأي في ما يدور حول الطقس الكلداني
شمعون كوسا
عنكاوة. كوم - 28-9-2021
كان بودّي تكريس الحديث لزيارة اقوم بها الى بلدتي ، للوقوف كالأصمّ المتأمّل للحظات طويلة ، لاني انا الذي اقيس مدتها ، حديث عن شقلاوا الحبيبة التي كنت قد اقنعتُ يوماً ، أحد الملائكة ، بانها فعلا قطعة من الجنة.
ولكني آثرت تأجيل هذه الزيارة لإفراغ فكري من أمر يشغله في الاونة الاخيرة ، أمر ترددتُ كثيرا في الكتابة عنه ، لاني كلما كنت اعقد النية على الكتابة كان هناك من يثبط من عزيمتي ، كون الموضوع حساسا وينتقد سهولةً اعتيد عليها . ولكني شخص لا اقوى على تغيير طبيعتي ، لاني اذا راودتني فكرة ، وبرزت كل صباح أمامي منتظرة قدرها ، يجب ان اقضي لها بالعدل في حل واقعي مقنع.
كان لا بدّ لي الافصاح عما يدور في خلدي في موضوع الطقس الكلداني وما آلَ اليه من تطورات ، لأني كنت اراه كحائط يعيق البداهة والمنطق . لستُ منقادا هنا ، لا بتقواي ولا بغيرتي، ولكني بحكم مروري في هذا العالم وتآلفي معه لفترة لا بأس بها من الزمن ، رأيت ان أدلو بدلوي ، وابرز بعض النقاط التي تمثل وجهة نظري التي اجدها منطقية .
نتكلم علن الطقس الكلداني ونفتخر به ، بصلواته التي وضعها الاباء الاولون وبعض منهم نالوا درجة القداسة . نفتخر بلغته الكلدانية التي هي سليلة الارامية التي تكلم بها السيد المسيح ، لنا الحان قديمة جميلة ترتاح نفسنا لسماعها ، لانها ترفعنا عاليا عند ترنيمها . هذا الطقس الجميل بلغته ، بدأ يضمحل شيئا فشيئا ، لافساح المجال الى اللغة العربية .
سؤالي البسيط والمختصر جدا هو : اذا جنحنا الى اللغة العربية في اقامة طقسنا الكلداني ، ماذا يبقي من كلدانيتنا ، كطقس ولغة ؟ ولماذا لا نسمي طقسنا بالطقس العربي ، وليس الطقس الكلداني ؟
اول ما اقوله عن الطقس الكلداني ، انه طقس قديم اكتسب شبه قُدسية أسوة بأيّ كتاب قيّم قديم ، لان واضعيه كانوا مسكونين بروح التقوى والقداسة الحقيقية . لقد وضعوا صلواتهم بلغة جميلة متناسقة وحافظوا على المعنى الروحي العميق ، بحيث تتناغم الالحان مع الكلمات . انا باعتقادي الشخصي ، يجب الاحتفاظ بالطقس كما هو ، على الاقل في اقامة القداس ، الذي يحضره المؤمنون كلّ يوم أحد . الاحتفاظ به باللغة الاصلية الكلدانية وليس غيرها.
انا اتساءل ، لماذا مُورس هذه الطقس لعشرات من الاجيال كما هو وباللغة الكلدانية دون مشكلة ؟ ما الذي دعانا لإقامته الان بلغة اخرى ، مع إصرارنا ، بتسميته بالكلداني ؟
اذا كان الدافع من استخدام اللغة العربية او اية لغة اخرى ، هو عدم فهم الناس للغة الكلدانية ، اقول ، وماذا يمنع رجل الدين او ما الذي يضيره ، اذا اقتطع بعض الوقت لشرح الصلاة قبل تلاوتها ، أو قام بتنظيم ندوة او ندوتين لشرح صلوات القداس . سيقتصر الجهد على اجتماع او اجتماعين، وسيكون ذلك في البداية فقط ، لان افراد الرعية سيعتادون على الصلاة بالكلدانية ، ويحفظونها .
من جهة اخرى ، اضحى الطقس الوسيلة الوحيدة الباقية للحفاظ على هذه اللغة. لماذا لا نحافظ عليها ؟ اذا كان هناك اسباب اخرى ، يجب معالجتها ، اعني مثلا صعوبة اللغة الآرامية وإتقانها بالصورة المطلوبة من قبل رجال الدين ، وباعتقادي هذا وارد ، الا يتوجب بذل المستحيل لحلّ هذه النقطة ، لا سيما وان هناك الكثير من كتب القواعد اللغوية لمعالجة ذلك.
انّنا في الخارج أينما كنّا ، يطلب منّا مسيحيو الغرب تلاوة الصلاة الربانية باللغة الآرامية (الكلدانية) ، ونراهم اثناء تلاوتنا ، خاشعين شبه منخطفين ، بعيون مغلقة وبسمة روحية خفيفة تداعب وجوههم . وبعد القداس يهرعون نحونا ليشكرونا بحرارة على إتاحة الفرصة لهم لسماع الصلاة بلغة المسيح . لماذا اذن ، نفرّط نحن بهذه اللغة التي يقدسها غيرنا ، لا سيما وإنها لغتنا ؟ نكتفي بجملة او صلاة واحدة بالكلدانية ، كرفع عتب ، ونستمر باللغة السهلة الاخرى !!!
ان الحديث يطول جدا ، ولكني اختم الموضوع قائلا واكرر : اذا تلونا صلواتنا بلغة اخرى غير الكلدانية ، لماذا نستمر في تسمية طقسنا بالكلداني ؟ ألا يأتي يوم يطرح فيه احفادنا نفس هذا السؤال على ابائهم ؟ بماذا عساهم يجيبون غير هزّ الكتفين وبسط اليدين ، كالعاجز تماما عن الاجابة . احببت ان اجلب الانتباه ليس إلاّ ، والرأي يمثلني أنا .
نسيت ان اذكر بان كلامي هذا ينطبق على السريان ايضا ، لانها نفس اللغة الارامية.