الكهنوت العام وعلاقته مع سر درجة الكهنوت
إعلام البطريركية الكلدانية - 8-11-2021
- شكلين للاشتراك في كهنوت المسيح
- المطران مار بولس حبيب
لقد جدد المجمع الفاتيكاني الثاني الانتباه الى الكهنوت العام او كهنوت الجماعة، الذي له جذور كتابية عميقة، على سبيل المثال: ” وأَنتُم تَكونونَ لي مَملَكةً مِنَ الكَهَنَة وأُمَّةً مُقَدَّسة. هذا هو الكَلامُ اَّلذي تَقولُه لِبَني إسرائيل” ( خروج 19: 6). و ” وأَنتم أَيضًا، شأنَ الحِجارَةِ الحَيَّة، تُبنَونَ بَيتاً رُوحِياً فَتكونونَ جَماعَةً كَهَنوتيَّة مُقدَّسة، كَيْما تُقَرِّبوا ذَبائِحَ رُوحِيَّةً يَقبَلُها اللهُ عن يَدِ يَسوعَ المسيح” ( 1 بطرس 2: 5). وغيرها اخرى. لقد فسر اباء الكنيسة هذه النصوص كثيرا، ولكن هذا المفهوم فقد من اللاهوت الكاثوليكي في الغرب بسبب الحركات البروتستانتية التي نقدت السلطة الكنسية. ان وثيقة المجمع الفاتيكاني الثاني ” نور الامم” قد اعطت مكانة مهمة لهذا المفهوم، حيث تستخدمه للاشارة تارة الى المعمذين الذين تسميهم بهذا ( نور الامم 10). وتارة اخرى الى الجماعة او الكنيسة بجملتها ، حيث تسمى كهنوتية.( نور الامم 11).
من جهة اخرى المجمع الفاتيكاني الثاني يلجأ الى استخدام ” كهنوت الخدمة او الدرجة” لاجل الاشارة الى الخدمة المقدسة التي تمارس في الكنيسة من قبل الاساقفة والكهنة، لاجل خير الاخوة. هذا التعبير موجود ضمني في العهد الجديد ، ولكن في التقليد يستخدم دوما.
يربط المجمع الفاتيكاني الثاني الكهنوت الجماعي مع سر المعموذية، موضحا بان كهنوتا مثل هذا يتضمن بالنسبة للمسيحي محتوى وغاية ” ان يقدم ذبائح روحية من خلال كل الاعمال” ( نور الامم 10). وايضا يعني، كما وضح مار بولس، تقديم المؤمن لجسده كقربان حي ومقدس ومقبول لدن الله ( روما 12: 1). ان الحياة المسيحية المعاشة كحمد مقرب لله هي مثل عبادة يحققها كل واحد وكل الكنيسة ايضا. الليتورجيا المقدسة، الشهادة للايمان واعلان الانجيل، عندما ينطلقون من المعنى الروحي للايمان الذي يشترك فيه كل المؤمنين، فهم يشكلون تعبير هذا الكهنوت.
هذا يتحقق من خلال الحياة اليومية للمعمذين، حتى ما يصبح الوجود الشخصي ذاته قربانا شخصيا يشترك في فصح المسيح. ان الكهنوت العام للمؤمنين المعمذين يكشف بوضوح الوحدة العميقة ما بين العبادة الليتورجية والعبادة الروحية وواقعية الحياة اليومية. يجب علينا ان نوضح بان كهنوتا كمثل هذا يفهم فقط على انه اشتراك في كهنوت المسيح: لا يوجد حمد وشكر يصعد امام الله من دون وساطة المسيح الذي هو الوسيط الوحيد، مما يؤدي الى ان يكون هناك فعل اسراري للمسيح. ان قربان الحياة يمكن ان يكون بفضل نعمة الاسرار فقط وبالاخص الافخارستيا.
يتسأل المجمع عن العلاقة التي تربط الكهنوتين مع بعضهما: اي كهنوت الجماعة وكهنوت الخدمة. كلاهما لهما اصل واحد الا وهو كهنوت المسيح: ” في هذا الكهنوت يشترك بصيغ متنوعة سواء من قبل اصحاب الدرجة سواء من قبل شعب الله”( نور الامم 62 و 10). الاثنان يعبران عنهما في الكنيسة من خلال العلاقة الاسرارية مع شخص والحياة والفعل التقديسي للمسيح. من اجل تقدم حياة الكنيسة لا يمكن للكهنوتين الا ان يكونان مكملين لبعضهما او خاضع واحد للاخر، لاجل غاية الحياة المسيحية وكمالها، وتكون الاولوية لكهنوت الجماعة، وان كان حسب النظرة الوظيفية او التركيبية للكنيسة وللفعالية الاسرارية الاولوية تكون لكهنوت الدرجة. ان نور الامم قد حددت هذه العلاقات في العدد 10: ” إنّ كهنوت المؤمنين المشترك وكهنوت الخدمة الراعويّة أو الرئاسة، مترابطان كلاهما بالآخر وان اختلفا في الجوهر لا في الدرجة فقط، ذلك بأن كلا هذا وذاك يشتركان، كلّ على نحو خاصّ، في كهنوت المسيح الواحد. فكهنوت الخدمة ينّشئ ، بما له من سلطان مقدّس، الشعب الكهنوتي، ويقوده، ويقيم، في وظيفة المسيح، الذبيحة الإفخارستيّة، ويقرّبها إلى الله باسم الشعب كلّه. وأما المؤمنون فيشتركون بكهنوتهم الملوكيّ في تقديم الإفخارستيّا، ويمارسون هذا الكهنوت بقبولهم الأسرار، ثم بالصلاة والحمد وشهادة السيرة المقدّسة، ثم بالكفر بالذات والمحبّة الفعّالة“.
- الاساس الاسراري للكهنوتين
من خلال النص المقتبس اعلاه نرى انه من خلال الحقيقة الاسرارية الحاضرة في حياة الكنيسة، حقيقة يعبر عنها بشكل خاص في الافخارستيا، من وجهة نظر لاهوتية يمكن اقامة العلاقات ما بين صيغتي الكهنوت وترابطهما. ان الاسرار هي في نفس الوقت مصدر النعمة وتعبير التقدمة الروحية للحياة كلها. العبادة الليتورجية التي من خلالها مثل هذه التقدمة تبلغ ملئها، هذه العبادة يمكن اقامتها فقط متى ما يكون هناك شخص يمكنه ان يعمل بشخص المسيح. هذا الشرط ولوحده يعطي الكمال ” للعبادة الروحية”، مدخلا اياه في تقدمة وذبيحة المسيح ذاته: ” من خلال خدمة الكهنة تكتمل تقدمة المؤمنين الروحية، لانها تتوحد مع تقدمة المسيح، الوسيط الوحيد. هذه الذبيحة بواسطة يد الكهنة وباسم الكنيسة كلها يقدم في الافخارستيا بطريقة غير دموية واسرارية، حتى مجيء الرب الثاني. الى هذا يبغي، وفي هذا يجد كهنوت الدرجة اكتماله. في الوقع ان خدمتهم التي تبدأ من قراءة الانجيل، تحصل على فعاليتها وقدرتها من خلال ذبيحة المسيح، ولها هدف حيث ان ك لالمدينة المجتمعة، اي اجتماع القديسين، تقدم لله ذاتها كذبيحة كونية بواسطة الكاهن الاكبر، الذي ايضا قدم ذاته لاجلنا في الامه، ليجعل منا جسدا لرأس عظيم” ( القديس اوغسطين، مدينة الله 10، 6 وفي الدرجة الكهنوتية عدد2).
لانهما صادران من نفس المنبع الذي هو كهنوت المسيح ولهما غاية واحدة، تقديم جسد المسيح الواحد، فان الكهنوت الجماعي وكهنوت الدرجة للالكليروس يكونان متلازمان جدا. ان القديس اغناطيوس الانطاكي يؤكد بانه من دون الاساقفة والكهنة والشمامسة لا يمكن حتى الكلام عن الكنيسة. الكنيسة توجد فقط ككنيسة مركبة ، وهذا التعبير يصلح للكلام عن الكنيسة كشعب الله. يكون خطأ ان نحدد هوية شعب الله فقط بالعلمانيين مفصولين عن الاساقفة والكهنة.
ايضا بخصوص الحس الايماني هذا يخص شعب الله كله من الاساقفة وحتى المؤمنين العلمانيين الذين يعبرون عن الاتفاق العام عليه من خلال الايمان والعادات. لا يمكن اذن ان نضادد ما بين الحس الايماني لشعب الله مع التعليم الرسمي للكنيسة، فاصلين الاساقفة والكهنة. الحس الايماني الذي يشهد له المجمع والذي يقيمه الروح القدس، يستلم كلمة الله بطريقة اصيلة ووحيدة تحت القيادة المقدسة للتعليم الرسمي.
ضمن شعب الله الواحد الجديد يكون كهنوت الجماعة وكهنوت الدرجة غير منفصلين. كهنوت الجماعة يبلغ كماله بفضل كهنوت الدرجة، بينما هذا الاخير موجود فقط لاجل ممارسة كهنوت الجماعة. الاساقفة والكهنة لا يمكن الاستغناء عنهم لاجل حياة الكنيسة والمؤمنين، ولكن ايضا هم مدعوين الى يعيشوا بالكمال الكهنوت الجماعي ذاته، ولاجل هذا يلزمهم الكهنوت الخاص او كهنوت الدرجة. ” لاجلكم انا اسقف، معكم انا مسيحي” ( القديس اوغسطين).
بالرغم من الترابط ما بين الكهنوتين يوجد ايضا اختلاف جوهري ( ليس فقط بالمقدار والدرجة)، بسبب قصد كل واحد منهما. متى ما يعمل بشخص المسيح، الاساقفة والكهنة يجعلان المسيح حاضرا امام الشعب، وفي نفس الوقت يقدمان ويمثلان الشعب امام الله الاب.
بالطبع توجد افعال اسراراية تكون جائزة بسبب ان المحتفل بها له الدرجة التي تسمح له بالاحتفال بها، اي القدرة على العمل بشخص المسيح او بوظيفة المسيح. مع هذا فان هذا التعليل لجائزية الاسرار لا يرضي من اجل تبرير وجود الخادم المرسوم او صاحب الدرجة في الكنيسة. الكهنوت الخاص ينتمي الى تركيبة الكنيسة الجوهرية اي الى صورتها وبعدها المنظور. التركيبة الجوهرية للكنيسة كما ايضا صورتها تنتج بعدا “عموديا”، تكون علامة واداة للمبادرة الالهية في التدبير المسيحي.