أبونا ثابت: حملة الحصاد في كرملش 2020
Thabet Habeb Yousif Al Mekko
May 18 at 12:29 PM ·
من شب على خلق شاب عليه – لنتعلم لاهوت الاسرار- حملة الحصاد في كرملش 2020
أصوات بدأت تهيأ ماكنة الحصاد ولازلنا صغارًا تلامذة الابتدائية نقرا لنخوض الامتحان ولكي ننهي عاما دراسيا لنتفرغ للحرية في الازقة وفوق الأسطح مع ألعابنا الشعبية ومساحاتنا الخاصة، هناك يجتمع فريق كبير من أعمار متقاربة مرتدين بجامات يدعى قماشها البازا والارجل عارية او منتعلة إصبعًا . آنذاك كانت أصوات الميكانيكي تتدغذغ سمعنا وتشردنا من التركيز وتدعونا للتسلل من البيت الى حيث تقف الحاصدة، جسم كبير تتخيل نفسك قزمًا أمام وحش جبار ، تأخذك المخيلة لتتصور نفسك بطلًا من ابطال الأساطير التي كنا نعرفها او نشاهدها في التلفاز. عندما كان يدوي صوت الحاصدة كانت لحظة التجمع وترك كل شي والانبهار بهذه الآلة، وعندما كانت تنطلق للحصاد كنا نتربص لها ونحاول التعلق بها وهي تسير متخيلين نفسنا تارة القبطان نامق وهو يقود الآلي الضخم وتارة عدنان وعبسي ومشاكساتهم وخفتهم في التعلق. وإذا لمحتك عين الكبار نالت منك ألسنهم وتعالت صيحاتهم لتوبخك. بدايات العطلة الصيفية كانت تتزامن مع الحصاد حيث كان الجد ينتظر ان ياتوا بمنتوج ارضه ليقوم بتكليف الجميع بإدخال الشعير والحنطة الى مخزنها، فكانت تتكون خلية عمل من كبار وصغار كل يحمل حسب طاقته ، صغارًا كنا نظهر تفانيًا وجهدًا وهمة فسعة الكيلو غرام كانت بالنسبة لنا تمثل حملا كبيرا وإدخالها منجزا عظيما، هكذا توالت السنوات لنستطيع ولازلنا صغار ان نتابع الحاصدة في حقولنا البعيدة تلسعنا الشمس والبعوض على السواء، نستمتع بالحصاد ونقف الى جانب السائق وهو يحصد مستنشقين الغبار ورذاذ التبن يعني عيوننا ولكن قلبنا كان مغمورا بشعور اخر . صغارًا تابعنا الحصاد وبعد ان تحصد ارضك كنت تعود وانت راكبًا متعلقًا بالساحبة التي كانت تنقل الحاصل وهي تزمجر وانت من فوقها تشعر بالفخر . لقد قدم الحاصل وانت معه بملابسك المتربة تستقبلك والدتك بكاس ماء بارد وبحنان وكأنها تقول لك: ماذا تفعل هذا ليس ملائما لسنك؟. لقد شبنا على محبة الارض والأرض تحبنا، نضع فيها تفانينا وعرقنا وصلاتنا وفولكلورنا وهي تمنحنا بركة الله. كم مرة رسمنا عليها الصليب وكم مرة غرسنا فيها بركات أغصان السعانين، واوقدنا شموع شمعون الشيخ عند تساقط الحالوب، وكم مرة جلبنا منها الورد لنحضر جلجلة المسيح في جمعة الآلام، وسنابل لتزيين المذبح يوم عيد الجسد. لقد نظرنا ارضنا وما فيها بنظرة روحية فخيراتها كانت تذكرنا برموز الكنيسة ومواد الأسرار المقدسة، منذ زرعها والى يوم حصادها ثم إنتاجها كان يأخذنا لفهم مراحل صناعة الخبز وعصر النبيذ وكيف ان هذه نستخدمها عند التقديس. نعم لقد ولدنا في الكنيسة، في عوائل كنسية ومنها شاع نور الكنيسة في طفولتنا.
اليوم وأنا كاهن للكنيسة وقد شابت الأيام معي لازال ذلك الخلق مستمرا، ازور الارض واستمتع بالحاصدة وارتقي سلالمها وابادل سائقها الكلام والوضع واقودها، لأشعر بقيمة هذا المحصول الذي سوف يتحول الى اسرار كنسية ، فهو سيوفر جزءا من حاجة الكنيسة وهي تؤمن خدمة الأسرار، وتعلن كلمة الله في تعليمها ونشاطاتها الروحية والثقافية ، في مساعدتها للمحتاج، في دعمها للمجتمع وإعماره،في بثها للفرح من خلال مهرجاناتها ،اليست هذه كلها معاني وثمار نستخلصها من سر الافخارسيتا المقدسة؟ نعم حياتنا تصبح افخارستيا مقدسة لاننا نضيف الى اعمالنا اليومية معنا روحيا، ونضع اعمالنا وثمارها على المذبح القمدس ضمن رؤية مسيحية متجذرة في الانجيل. لا تستغرب يا صديقي وانت ترى ذراع الكاهن التي ترفع جسد المسيح تعمل في ما هو رمز وعلامة يشير الى المسيح. تعود لترى ان الكنيسة في بناءها وطقوسها ومن ثم لتراها وهي متجسدة في الواقع في نشاطات المجتمع وعمله وكدحه. لا تظن ابدا ان اسرار الكنيسة وطقوسها هي حركات غريبة، ولكن تبصر وعمق لترى فيها حياتك متجسدة وموضوعة على مذبح التقديس. من هناك عندما تشارك وتنتهي من العبادة اذهب الى حياتك ناقلا معنى الروح لتلون به كل حياتك، واهم لون تلون به عملك هو التفاني والمحبة على شاكلة المسيح. هذا هو لاهوت الاسرار في شرقنا، وهذا هو مبدأ تقديس العالم في روحانيتنا، مبدأ واقعي ومعقول وان كان عجيبا ومذهلا، ان تتعلم المعنى الحقيقي لوجود الاشياء في الاسرار وتعكسه على الحياة وعملها وفعالياتها، بهذا يتقدس العالم وينفتح ليصبح شفافا يخترقه نور الخالق الذي اراد دوما ان تكون خليقته حمالة للمعنى السامي الالهي.