قصص من الماضي - مطران في محطة الكهرباء
قبل اكثر من عشر سنوات كتبت في مواقعنا الالكترونية سلسلة من "قصص من الماضي" ويعجبني ان اعيد نشر قسم منها، ففي قراءتها متعة وابتسامة.
هذه واحدة من تلك القصص:
مطران في محطة الكهرباء
(رحم الله الذين رحلوا واطال الله بعمر الاحياء الذين ترد اسماؤهم هنا)
عندما كنت اعمل في سد دربندي خان كنت اذهب الى الدوام في الساعة الثامنة الى الدائرة لترويج المعاملات الرسمية حتى العاشرة صباحا حيث اذهب الى محطة الكهرباء الصغيرة التي كانت مخصصة لتغذية امور السد وتغذية المدينة بالكهرباء , (حيث لم تكن محطة الكهرباء الكبيرة الحالية قد انشئت آنذاك) حيث يقوم العمال هناك بتخدير الشاي لي لنتناول بعد قيامي باستعراض الامور الفنية هناك من : مقدار تصريف الماء الى النهر , منسوب الماء في مقدم السد , قراءات العدادات المختلفة , حاجة المشروع الى المواد مثل الزيوت والشحوم والوقود , وغير ذلك. كانت المكائن حيث نجلس هي بعمق 24 مترا تحت الارض ونستعمل مصعدا كهربائيا للوصول اليها, وفي احد ايام 1969 ونحن نشرب الشاي فاذا بالمصعد يفتح الباب ويخرج منه اربعة اشخاص احدهم مطران بملابس سوداء ووردي واثنين بملابس قسس وآخر مدني فنهضت مسرعا باتجاههم وقبلت صليب المطران وصافحت الباقين ورحبت بهم وقلت: اهلا بكم في سد دربندي خان , ومن ملابسكم اعرف انكم سريان فمن انتم؟ فقال احد القسس: نحن ايضا علمنا بانك مسيحي من خلال استقبالك لنا . ان سيدنا المطران هو عمانوئيل بني ونحن فعلا سريان كاثوليك , وانت من تكون: فقلت انني كرمشايا كلداني ولي علاقات كثيرة مع غديدايي وبرطلايي الكاثوليك والارثوذكس . فاخذتهم بعد جولة مفصلة الى جميع منشآت السد الى البيت مقترحا عليهم الغداء ولكنهم اكتفوا بالشاي والبقصم وغادروا عائدين الى السليمانية فالموصل.
كان هذا اللقاء ليس الاول من هذا النوع فقد سبق وان حضر وفد آخر سابقا في عام 1968 وفي نفس المكان وكان في المقدمة مدرس الفيزياء في متوسطة الحدباء في الموصل التي درست فيها 1952-1956 فسلمت عليهم جميعا وقلت: استاذ سعيد كيف حالك؟ فقال: هل تعرفني؟ قلت: انت الذي كنت تدرسنا الفيزياء في الحدباء قبل ستة عشر عاما!!! فقال: الم اتغير منذ ذلك الحين؟ فقلت: اذا كنت انت الاستاذ سعيد فانك لم تتغير كثيرا, فقال: انني الان مفتش في وزارة التربية واقوم الان بالتفتيش في محافظة السليمانية.
والحالة الاخرى المشابهة حدثت معي وانا "طالب متدرب" في المحطة الكهرومائية الضخمة في مدينة فولكاكراد الروسية عام 1964 ونهر الفولكا يصب ماءه في بحر قزوين وهو بحر مشترك بين الاتحاد السوفيتي ومملكة ايران، ويقوم الاتحاد السوفيتي برعاية الثروة السمكية في بحر قزوين، ويوجد في المحطة الكهرومائية احواض ومفاقس للاسماك التي تنتج الكافيار في كلا البلدين. وبينما كنا نشرب الشاي انا والمهندس المسؤول وزوجته المهندسة فاذا باربعة اشخاص يدخلون الى قاعة السيطرة التي نحن فيها فنهضنا ثلاثتنا "لشكّنا" بان هؤلاء وجوه معروفة فاتوا الينا وصافح اولهم المهندس قائلا: نيكيتا خروشوف واقدم لكم ضيفي محمد رضا بهلوي شاه ايران , وزوجته ثريا!!! وكان رابعهم يترجم .وبعد ان تصافحنا دعاهم المهندس للجلوس وقال: هل تشربون الشاي؟ فقال "الرفيق" خروشوف: اذا كان جاهزا. فسالني المهندس: هل لديك شاي لاربعة؟ فقلت: انا عراقي, والعراقيون لا يتركون الضيف يخرج بدون الشاي والاكل. فقال خروشوف: اترون، حتى الطلاب الاجانب يتعلمون الطبائع الروسية الاصيلة!
بعد "المجاملة" وشرب الشاي شرح المهندس لمكونات السد والمحطة وعدد وحجم الوحدات وكم من الكهرباء تنتج . ودّعونا شاكرين حسن الضيافة.
خرجت انا وراءهم بحب الاستطلاع لارى "الحرس والاستخبارات والامن" لاجد بان الاشخاص الاربعة هم في سيارة واحدة كبيرة ترافقها 3 دراجات نارية فقط.
جرجيس يوسف / كندا/2011