البابا في زيارة غير مسبوقة للعراق، بهدف تعزيز صمود المسيحيين والتواصل مع المسلمين
إعلام البطريركية /أ ف ب : 32-3-2021
يصل البابا فرنسيس إلى العراق الجمعة في أول زيارة بابوية على الإطلاق إلى هذا البلد، بهدف تشجيع المسيحين الضاربة جذورهم بالقدم على الصمود بعد تراجع أعدادهم، وتعزيز تواصله مع المسلمين.
ومن أبرز محطات زيارة البابا لقاء يجمعه مع المرجع الشيعي الكبير آية الله العظمى علي السيستاني في النجف. وتأتي الزيارة غير المسبوقة في وقت حرج بالنسبة للعراق الذي يشهد موجة ثانية من فيروس كورونا القاتل وتجدد العنف مع إطلاق صواريخ واحتجاجات مناهضة للحكومة. وهو يحقق بذلك حلمًا لطالما راود البابا السابق يوحنا بولس الثاني.
وأدت سنين من العنف والاضطهاد إلى تراجع عدد المسيحيين في البلاد وهم من أقدم الجماعات المسيحية في العالم من 1,5 مليونا في 2003 إلى 400 ألف فقط اليوم. وينوي البابا فرنسيس البالغ 84 عامًا في أول زيارة خارجية له منذ انتشار الجائحة، توجيه رسالة تضامن ليس للمسيحيين فقط بل لجميع سكان العراق البالغ عددهم 40 مليون نسمة، مع برنامج حافل بالمحطات في أرجاء البلاد.
من شوارع بغداد الرئيسية وصولا إلى مدينة النجف الشيعية، رفعت من الآن لافتات تحمل صوره مرفقة بعبارات ترحب بمجيئه. من مدينة أور الجنوبية إلى البلدات المسيحية المدمرة في الشمال، تعبد الطرقات ويعاد تأهيل الكنائس في المناطق النائية التي لم تشهد زائرا بهذه الأهمية من قبل.
وقال المطران نجيب ميخائيل، رئيس أساقفة أبرشية الموصل وعقرة للكلدان، لوكالة فرانس برس، إنّ “رسالة البابا هي أن الكنيسة تقف إلى جانب الذين يعانون”. وأضاف المطران ميخائيل “سيقول كلمات قوية للعراق حيث ارتكبت جرائم ضد الانسانية”.
جذور قديمة
ويشكّل مسيحيو العراق إحدى أقدم الجماعات المسيحية في العالم وأكثرها تنوعًا. وفي العام 2003، عندما أطاح الغزو الذي قادته الولايات المتحدة بصدام حسين، كان المسيحيون يشكلون حوالى ستة بالمائة من سكان العراق البالغ عددهم 25 مليون نسمة.
وقال وليام وردة أحد مؤسسي منظمة حمورابي لحقوق الإنسان، إنه مع تزايد عدد السكان وهجرة الأقليات هربًا من العنف الطائفي ، تقلصت نسبة المسيحيين إلى واحد بالمائة فقط. ويتركز معظمهم في محافظة نينوى في شمال العراق حيث لا يزال كثيرون منهم يتحدثون الآرامية، لغة السيد المسيح.
في العام 2014، سيطر الجهاديون التابعون لتنظيم الدولة الإسلامية على نينوى واجتاحوا بلدات مسيحية وخيروا سكانها بين اعتناق الإسلام أو الموت. في ذلك الوقت، أيد البابا فرنسيس استخدام القوة لوقف انتشار تنظيم داعش ودرس إمكان السفر إلى شمال العراق للوقوف إلى جانب الأقلية المسيحية. لكنّ الرحلة تلك لم تتحقق، لكن فرنسيس استمر في متابعة الوضع في العراق عن كثب، وأدان قتل المتظاهرين العزل خلال حركة مناهضة للحكومة واسعة النطاق اندلعت في العام 2019.
منتظر منذ زمن بعيد
وكان البابا يوحنا بولس الثاني خطط لزيارة العراق في العام 2000، لكن صدام حسين ألغى الرحلة فجأة، فيما لم يتحرك خلفه بنديكتوس السادس عشر أبدًا تجاه بغداد. وبعيد انتخاب البابا فرنسيس في العام 2013، حثه المطران لويس ساكو، الذي عينه البابا لاحقًا كاردينالاً ورئيسًا للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، على زيارة العراق. والبطريرك ساكو هو الآن المنظم الرئيسي للزيارة.
في العام 2019، وجه الرئيس العراقي برهم صالح دعوة رسمية له، على أمل أن تساعد الزيارة العراق على “التعافي” بعد سنوات من العنف. لكن مع تفشي وباء كوفيد -19 العالمي الذي أصاب إيطاليا بالصميم، ألغى البابا جميع رحلاته الخارجية اعتبارا من حزيران 2020.
هذا ويصل البابا صباح الجمعة إلى بغداد، مع فريقه الأمني ومجموعة من 75 صحافيًا دوليًا تلقوا جميعًا اللقاح مثل البابا. وقبل أيام من وصول البابا، أصيب سفير الكرسي الرسولي (الفاتيكان) في العراق بفيروس كورونا إلا أن المسؤولين شددوا على أن ذلك لن يكون له “أي أثر” على الزيارة.
ورغم الجائحة سيقيم البابا قداديس في بغداد وأربيل عاصمة اقليم كردستان ومدينة أور الاثرية، مسقط رأس النبي ابراهيم. وسيفرض التباعد الاجتماعي خلال كل القداديس وينبغي على المهتمين بالحضور أن يسجلوا اسماءهم قبل عدة أسابيع للحصول على التذاكر.
“تأثير هائل”
والبابا فرنسيس مؤيد صريح للحوار بين الأديان وقد زار الكثير من البلدان ذات الغالبية المسلمة، منها بنغلادش في العام 2017، وتركيا في العام 2018، والمغرب والإمارات العربية المتحدة في العام 2019. وفي أبو ظبي، التقى الشيخ أحمد الطيب إمام الأزهر المرجع السني الكبير للتوقيع على وثيقة “الأخوّة الإنسانيّة” التي تشجع على مزيد من الحوار بين المسيحيين والمسلمين.
ويأمل البابا فرنسيس أن تفتح رحلته إلى العراق بابًا مماثلاً، مع المسلمين الشيعة هذه المرة البالغ عددهم نحو 200 مليون في جميع أنحاء العالم ويشكلون غالبية سكان العراق. وفي إطار هذا الجهد، سيلتقي بالمرجع الشيعي الكبير آية الله العظمى علي السيستاني في منزله المتواضع في النجف.
وقال البطريرك ساكو لوكالة فرانس برس في كانون الثاني إن البابا يأمل في أن يؤيد السيستاني رسالة “أبو ظبي” التي وقعها الطيب، إلا أن مصادر دينية في النجف نفت بشدة أن يوقع السيستاني على أي وثيقة. مع ذلك، سيكون اللقاء أحد أبرز المحطات في هذه الرحلة الاستثنائية.
وقال محافظ النجف لؤي الياسري “إنها زيارة تاريخية (…) نتحدث عن زعيم طائفة دينية يتبعها 20 في المئة من سكان العالم”. وأضاف وكالة فرانس برس إن “زيارته تعني الكثير وزيارة قداسة البابا الى آية الله العظمى علي السيستاني سيكون لها تأثير كبير”.